موسم الهرج والمرج، في زمن الوباء، أعطيت الانطلاقة الرسمية للسباق السياسي: 32 حزبا تتنافس على 395 مقعدا بالبرلمان.
موسم ترتفع فيه الأصوات والتنابز بالألقاب بين الأحزاب السياسية التي تتنافس فيما بينها للفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، من أجل تسيير الشأن العام للبلاد!!
كل حزب وطريقته في التسويق الانتخابي. كل حزب وطريقته في التعبئة السياسية والإبداع الاستقطابي، من أجل الظفر بموقع مناسب في الخريطة السياسية المقبلة والتي بالطبع نتائجها مرسومة في كواليس المطبخ السياسي المغربي. كل حزب وطريقته في الحشد الانتخابي لموعد 8 شتنبر المقبل. إلا أن الجميع منخرط في لعبة سياسية مكشوفة: مدخلاتها مجهولة لكن مخرجاتها معلومة!!
من الأحزاب من يسوق لفشل الحكومة الحالية التي تحاول بدورها تلميع صورتها رغم تتالي الإخفاقات في المجال الاجتماعي والاقتصادي… ومنهم من يسوق لوهم ديمقراطي جديد ووعود لشعب ألِف التفقير والتهميش مع جميع الأطياف السياسية التي قبِلت اللعبة السياسية وفق قواعد حددها المخزن سلفا ويروض أهلها أثناء الممارسة السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
ما ميز اللعبة السياسية الجديدة في المغرب، تسيير دواليبها من طرف حزب خرج من رحم الحركة الإسلامية. حزب اعتمد شعار: “الإصلاح من الداخل”!
1- الإصلاح من الداخل: حقيقة أم وهم؟
يصبح الإصلاح من الداخل واقعا حقيقيا، إذا توفرت الشروط التالية في النسق السياسي المراد إصلاحه:
– شرط القطيعة مع منظومة الفساد: من المستحيل أن تنجح مؤسسة سياسية بتطهير البلاد من الفساد فيما هي في حالة من الإنكار لهذا الفساد. إن ازدواجية المعايير سيئة تماماً بنفس سوء الفساد.
– شرط البناء الجديد: “الإصلاح من الداخل” تحت مظلة واحدة مع عناصر الفساد هي وصفة لكارثة مرضية طويلة الأمد.
– شرط التجانس بين المبادئ والمصالح: “الإصلاح من الداخل” هو مبدأ مثالي، كما هو الحال مع “الديمقراطية”. ولكنه لا يمكن أن يكون فاعلاً إلا إذا توافرت الظروف المناسبة المتمثلة في الوعي والشفافية والوصول إلى المعلومات والاستقلالية والمشاركة الهادفة والفاعلة والأفراد المناسبين لتحقيق ذلك.
– شرط العمل بآلية دستورية نزيهة: يتطلب “الإصلاح من الداخل” آلية دستورية للعمل بها غير قابلة للتلاعب بموادها وقوانينها.
– شرط الاستقلالية: يكون “الإصلاح من الداخل” عملياً فقط إذا لم تكن هناك تدخلات من قوى خارجية تستخدم قيادات منصاعة لها وتعمل على دعمها وتثبيتها.
– شرط القطيعة: إن العمل مع الفاسدين من أجل تحقيق “الإصلاح من الداخل” أو مناشدتهم هو أمر غير أخلاقي. فإن ذلك لا يقوم بأكثر من منح الفاسد شرعية جديدة.
فالإصلاح من الداخل، دون الشروط المذكورة، ثبت بعد تجربة عقد من الزمن أنه شعار فارغ، وتعبير يتنافى مع الحس السليم والمنطق العلمي.
تجربة فاشلة بامتياز، خطط لفشلها منذ انطلاقتها، حتى تصبح لفئة عريضة من الناس أحكام قطعية بناء على معطيات يقينية.
2- اللعبة السياسية في المغرب:
منذ فجر الاستقلال، واللعبة السياسية في المشهد الحزبي المغربي مكشوفة: تناوب على السلطة من أجل ضخ الثروة، وخدمة المصالح الخاصة بدل مصالح الأمة.
يشهد على ذلك واقع مأزوم في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية…
في الديمقراطيات الحديثة، وضعت الانتخابات كآليات لاختيار أشخاص لتمثيل الأمة في التعبير عن همومها ولحل مشاكلها، ونقل طموحاتها للمشاركة الجماعية في بناء المجتمع.
لكن في المغرب يوجد الشكل الانتخابي ويغيب المضمون الانتخابي. عملية انتخابية لتلميع صورة البلاد بين دول المنتظم الدولي، ونيل درجة مشرفة في سلم مؤشر تحقيق الديمقراطية.
ترصد الميزانيات الضخمة (180 مليون درهم لموسم 2021)، حضور لجان دولية لتتبع المسلسل الانتخابي، تجمعات حزبية تجمع كثيرا من الناس من الدواوير والمداشر لتوزع رزنامة من الوعود (بناء المدارس والمستشفيات من أجل إصلاح التعليم والصحة، تعبيد الطرقات، الإنارة، تشغيل الشباب، محو الأمية، الاعتناء بالعالم القروي، الاهتمام بقضايا الأسرة والطفل…).
تناسلت الأحزاب والبرامج السياسية واحدة، اتخذت رموزا تعبيرية ترسخها في أذهان عامة الناس، دون التركيز على المذهب السياسي.
اعتمد المشرع المغربي للانتخابات المقبلة “القاسم الانتخابي” من أجل رسم خريطة سياسية جديدة، تعديل يقوم على أساس احتساب المسجلين في اللوائح الانتخابية وليس على أساس المصوتين كما جرت العادة. اعتبر أهل “الإصلاح من الداخل” أن القاسم الانتخابي تعديل غير دستوري وجريمة بحق الديمقراطية وبحق المؤسسات!
3. وبعد؛
إن نظرية “الإصلاح من الداخل” سوف يسقطها “القاسم الانتخابي”، وهذا لا يحتاج إلى بيان وانتظار نتائج الانتخابات. من يضع الخارطة السياسية للبلاد يعلم ويعمل على نتيجة يرغب فيها، وهي: سقوط ورقة الإسلاميين الذين لبسوا بزة المخزن، وصعود “فئة جديدة” تصنع على أعين المخزن ينتزع القيادة ويذل أهل الإصلاح من الداخل.
من أجل ذلك لا أنخرط في لعبة سياسية تمدد عمر الاستبداد وتقوض إرادة الأحرار.