تأسست فكرة حقوق الإنسان في الإسلام، التي تقوم على التكريم واحترام آدمية الإنسان، انطلاقًا من قول الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء: 70].
هذا التكريم الذي جسدته السنة النبوية سلوكا وأفعالا وأقوالا وأحوالا مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي خاطب العالمين في خطبة الوداع: “أيها الناس إن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ…”.
هذه الخطبة الشاملة لكل الحقوق عبر الزمان والمكان تعتبر بحق إعلانا كونيا لحقوق الانسان، وميثاقا ضامنا لها، ومؤسسا لمبادئ عدم الاعتداء على الإنسان مهما كان دينه أو لونه أو عرقه، ومكرسا لأهم الحقوق الأساسية لبني آدم، ومن أهمها:
أولا: الحق في الحياة
عظم رسولنا الكريم من قيمة النفس البشرية وحصن حرمتها، فعندما سُئِل عن الكبائر: قال عليه الصلاة والسلام: “الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ… وَقَتْلُ النَّفْسِ…”.
وفي حديث آخر حرم الانتحار حماية لأرواح الناس فقال عليه الصلاة والسلام: “مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا” 1.
ثانيا: تحريم التعذيب
عن هشام بن حكيم قال: سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إِنَّ اللهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا” 2.
هذا الحديث العظيم فيه إنذار وتخويف وعاقبة لكل جبار ظالم متعد على أجساد الناس ونفوسهم بالتعذيب بكل أشكاله.
ثالثا: المساواة
هذه ثلاثة أحاديث لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعة للكلم والمعنى في موضوع المساواة بكل أبعادها.
الحديث الأول:
قال عليه الصلاة والسلام: “يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ” 3.
الحديث الثاني:
عن أبي أُمامة أنه قال: عَيَّر أبو ذرٍّ بلالاً بأُمِّه، فقال: يابن السوداء. وأنَّ بلالاً أتى رسول الله ، فأخبره فغضب، فجاء أبو ذرٍّ ولم يشعر، فأَعْرَضَ عنه النبي ، فقال: ما أعرضكَ عنِّي إلاَّ شيءٌ بلغكَ يا رسول الله. قال: “أَنْتَ الَّذِي تُعَيِّرُ بِلالاً بِأُمِّهِ؟”. فقال النبي : “وَالَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَلَى مُحَمَّدٍ -أَوْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَحْلِفَ- مَا لأَحَدٍ عَلَيَّ فَضْلٌ إِلاَّ بِعَمَلٍ، إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ كَطَفِّ الصَّاعِ” 4.
الحديث الثالث:
قال صلى الله عليه وسلم: “لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى”.
رابعا: الحق في حرية الرأي والتعبير
ربى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام الصحابة الكرام على الحرية في التعبير عن الرأي، فكان عليه الصلاة والسلام يحترم رأي الآخرين ويشجِعهم على إبداء الموقف ولو كان مخالفا، والأمثلة كثيرة في هذا الباب، منها يوم أحد، وغيرها من المواقف الشاهدة على ذلك.
خامسا: الحق في حرية العقيدة
من الحقوق الأساسية التي رسمها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الحقُّ في حرية المعتقد والاعتقاد، وذلك انطلاقا من قول الله عز وجل: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.
ولعل أنصع صورة لهذه الحقيقة، عندما خاطب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا بعد فتح مكة: “اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ”. فلم يكرههم على اعتناق الإسلام لأن الأمر اختيار وليس إجبارا.