تعيش الأمة الإسلامية أحلك عصورها وأعظمها ضعفا وهوانا على العالم، وقد تختصر هذه الصورة في فلسطين جرح الأمة العميق، الذي ما زال ينزف دما منذ عقود، هذا الجرح الذي كان دائما المؤشر الصادق على بعد الأمة عن مواقف العزة والكرامة والوحدة المطلوبة.
لكن رغم هذه الصورة القاتمة فإننا نجد من رجالات الأمة ونسائها بطولات وتضحيات قد يعجز اللسان عن التعبير عنها ويعجز القلم عن تصويرها، فكانت أعمالهم خير دليل على أن قلب الأمة ما زال حيا ينبض، وعلى أن كل عوامل القوة والحياة هي داخلية في الأمة، وخير مثال نساء فلسطين.
تعطينا نساء فلسطين صورة مخالفة لكل نساء العالم، فقد بنين لأنفسهن قيمة ومكانة عظيمة من خلال دورهن في بناء أمجاد الأمة، يقدمن أنفسهن بصور متعددة؛ نساء يرضعن أولادهن روح المقاومة والجهاد، ويغذين ذاكرة الطفولة بالحفاظ على أمجاد الأمة والوطن وبأن الأرض حق مشروع لا يمكن التفريط فيه بأي ثمن ولا تحت أي ضغط، يدفعنهم إلى ساحة الوغى – وكل فلسطين كذلك – مبكرا، وقد يزفونهم إلى مثواهم الأخير بكلمات تفتت الأكباد، يغالبن إحساس الأمومة الفطري يقدمن عليه رضا الله تعالى.
تلد الأم الفلسطينية عشرة أولاد؛ تقدم تسعة منهم شهداء ليعيش العاشر بعزة وكرامة، لا يثنيها عن عزمها قلة الحيلة والإمكانات، سلاحها العزيمة والإرادة والإصرار على أخذ الحقوق ودفع الظلم، كل هذا أكبر من الآلام التي ترافق الجراح وتمزيق الأجساد بالرصاص والدبابات.
نساء احتسبن أزواجهن وأبناءهن عند الله، وحملن المشعل من بعدهم، معطاءات رغم جراحاتهن.
نساء دخلن المعتقلات والسجون وأدين الثمن غاليا فداء للوطن، فكانت منهن الشهيدة والجريحة والمبعدة.
نساء أعطين المثال لما يمكن أن تكون عليه المرأة المسلمة، وضربن أروع الأمثلة في الكفاح والنضال لكافة المتقاعسين والمتخاذلين.
لله ذركن يا نساء فلسطين، كنتن مشاريع انتصار حقيقي للإنسانية جمعاء وللعدالة والكرامة المهدورة في هذا الزمان.
تحية إجلال وتعظيم لصانعات مستقبل الأمة بالصمود ضد أعتى قوى الظلم والطغيان.
تحية روح وريحان وجنة رضوان لمن أحيين معاني الجهاد في الأمة، أساس بقائها وعزتها.
فقد تطايرت أصداء بطولاتكن لتتعدى الزمان والمكان، ولتصنع للعالم وجها آخر غير الذي رسمه الطغاة.