التغريبة الفلسطينية، هي تلك الملحمة الدرامية التي سطرها لنا المخرج الراحل حاتم علي، والتي تحكي بتفاصيل بديعة وبرؤية سينمائية دقيقة تسافر بفكرك ووجدانك وكلك إلى الأرض المباركة، وتجعلك ترقب عن كثب كيف سقطت البقعة المقدسة شبرا شبرا، قطعة قطعة في يد الآلة الصهيونية الغادرة نهاية الحرب العالمية الثانية.
كل هذا ترقبه من خلال متابعتك لتفاصيل حياة عائلة “آل يونس” الفلسطينية، التي اعتبرت نموذجا لأغلب العوائل الفلسطينية آنذاك، والتي ما زالت متواجدة إلى حدود هاته اللحظة. عائلة تحوي في كنفها مقاوما وعالما، وتزرع في أجيالها معاني المقاومة وحب الوطن.
تأخذك عبر عقود من الزمن من الريف المقاوم إلى حيفا الممانعة لتلج بك مخيمات النزوح، وتعيش معها معاناة يومية من شظف العيش وضيق الحال والظلم والخذلان بعد أن تكون قد عشت معها وابلا من الغارات والاشتباكات والثورات والنكبات.
تشعرك الملحمة الدرامية البديعة “التغريبة الفلسطينية” أنه رغم كل هاته الأحداث المأساوية التي عاشها آل يونس والتي ما زال يرزح تحت وطأتها شعبنا الأبي إلى حدود اللحظة، لم تزد العائلة المباركة إلا ثباتا وتشبثا بحق العودة وإيمانا بالتحرر والتحرير.
حاتم علي لم يعتبر بمعزل عما سطره عشرات بل مئات الفنانين في مسألة المقاومة الفنية أو الجهاد بالفن. فهذا غسان كنفاني الذي شكل قلمه صوتا لكل مكلوم داخل سجون الاحتلال ولكل متغرب يحلم بحق العودة. وذاك إبراهيم طوقان الذي سطر قصيدة “الفدائي الأول”، التي يقول فيها:
لا تَسلْ عن سلامتِهْ
روحه فوق راحتِهْ
بدَّلَتْهُ همومُهُ
كفناً من وسادِتهْ
محاكيا بذلك خلجات شاب فلسطيني قام بأول عملية فدائية داخل الأراضي المقدسة.
الفن ووقعه على الأنفس كبير جدا، يدخل أوصالها ليسري بها إما سريان السم القاتل؛ فيهوي بها في دركات الشهوات والهوى، أو سريان البلسم الشافي الذي يرتقي بها في مدارج الخير والعدل والجمال. لذلك ترصد له ميزانيات وآليات، بل وثكنات لتوجيه الشعوب حيث ما أريد لها أن توجه.
وقد كان صلى الله عليه وسلم أول من وعى بأهمية هذا الثغر الاستراتيجي المهم، فيروى أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكةَ في عمرةِ القضاءِ وابن رواحةَ يمشي بين يديهِ وهو يقول:
خَلّوا بني الكفار عن سبيلهِ
اليومَ نضرِبُكُم على تنزيلهِ
ضَربا يُزيلُ الهامَ عن مقيلِهِ
ويذْهلُ الخليلُ عن خليلهِ
فقال له عمرُ: يا ابن رواحةَ بين يَدَيْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي حرمِ اللهِ تقولُ شِعْرا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خَلّ عنهُ يا عمرُ ، فلهِيَ أسرعُ فيهم من نضحِ النَّبلِ.