أبى الماسكون بمقادة الحكم فينا إلاّ أن يُمْعِنوا في التجْديف ضد التيّار وطنيا وإقليميا، ويُشدّدوا الخناق المضروب على جماعة العدل والإحسان بتشميع بيوت مجموعة من أبرز أعضائها. أبى هؤلاء الذين زَمّرُوا للعهد الجديد زمانا بما أوْهم الكثيرين، إلاّ أن يزيدوا الوضعَ اختناقا والأفقَ سوادا، في تجاهل تام لكل الأصوات الفاضلة، التي تنادي يوميا في شوارع البلد وفي ما بقي مفتوحا فيه من منابر بوقف الحُكم المهزلة، ونزع خِنجر الطغيان المغروز في صدر الشعب اليائس، وإعمال العقل لإنقاذ سفينة المغرب من الغَرَق. أبى القومُ إلاّ أن يُنَغّصوا مسيرة ربانية هادية لشبابٍ ورجالٍ ونساءٍ من خيرة الشبابِ والرجالِ والنساءِ بمنعهم من الاجتماع في بيوتهم لذكر الله بعد أن مُنِعوا من بيوت الله، ومن كل فضاء عام أو مؤسسة توجد تحت سماء الوطن. مسيرة راشدة حكيمة رفيقة، يشهد بذلك الجار القريب والمُتابع البعيد ومعظم المواطنين. مسيرة ثابتة صابرة مُحتسبة رغم حملات التعمية والتضليل والتشويه، وجولات السجن والقمع والتشريد.
القرار الفريد جاء من الدوائر الأمنية، كعادة الدولة حين تعزم على ارتكاب إحدى جرائمها المعروفة في حق الجماعة، أو في حقّ مُواطن حُرّ نظيفِ اليد لمْ تجدْ إليه طريقا سالكا وفق “القانون”. واعجَبْ أيها المغربي حتى ينقطع نَفَسُك من القرار الذي لم يصدرْ عن أي مؤسسة قضائية كيفما كان اختصاصُها.
هذا ولم يكتف المسؤولون الأمنيون بإغلاق البيوت ومنع أصحابها من الدخول إليها، بل عمدوا إلى تصوير مرافق بعضها من الداخل ونشر الصور والفيديوهات في المواقع الإعلامية التابعة بطريقة ماكرة مُضلّلة، وهو انتهاك صارخ للدستور والقوانين الوطنية والدُّوَلية، التي تنُص على حُرمة البيوت وحماية الحياة الشخصية للمواطنين. كما أنهم تركوا بيوتا أُخر عرضة للسرقة والعبث والتخريب، بدون أي نوع من أنواع الحراسة، متجردين من كل مروءة أو حِسّ بالمسؤولية. ويُحدّثونك بعد هذا كلّه ناظرين في الجِباه دون خجل، أمام عدسات الكاميرا الوطنية والعالمية، عن الديمقراطية ودولة الحق والقانون.
لقد أجمع المراقبون والمناضلون الحقوقيون بدون استثناء على خطورة الفعل الذي أقدمت عليه السلطة، اعتبروه خرقا سافرا للدستور والقانون المغربي الواضح والمواثيق الدولية، واعتداء مفضوحا على حركة مُعارِضة سِلمية تحملُ مشروعاً وطنيا وازنا للتغيير، تلتف حوله فئاتٌ ونُخب وجماهير عريضة من الشعب، بغض النظر عن طبيعته وتفاصيله. ولعل هذا الإجماع الرافض للقرار، المسنود برأي عام واسع يعبر عن تضامنه في مواقع التواصل الاجتماعي، فاجأ السلطة مرة أخرى، هي التي تسعى بإصرار وبشتى الوسائل لعزل الجماعة، ونبذها في رُكن العَدَمِية والتيارات الرَّجعية الحالمة.
وإنه لَإصرار عجيب على محاولة عزل جماعة واسعة الانتشار، وتطويق رسالتها من لدن السلطة بالنظر للفراغ السياسي الهائل الموجود في أعلى المستويات، واضمحلال الوسائط الحزبية وأغلب منظمات المجتمع المدني، وفي ظل مؤشرات عزوف انتخابي قادم غير مسبوق، وبالنظر أيضا إلى الحالة الاجتماعية المُنذِرة بالكارثة، و الغليان الشعبي المتزايد، والاقتصاد الهش المهَدَّد بالانهيار في أي لحظة، وهجرة الكفاءات والأدمغة في كل اتجاه، وكذلك باعتبار الثورات الشعبية العاصفة بالعروش في المنطقة رغم انحيازها واستنادها سياسيا وماليا وعسكريا إلى بعض القوى الغربية الداعمة.
وهكذا عوضاً عن ترك سياسة سَحق المعارضة التي لم تُنتجْ سوى الفراغ العدوّ الأول للنظام القاتل لأي نظام، وعوضاً عن إشعال شموع الأمل في بيت الحُكم المُظلم بقطع دابر الفوضى والفساد والنهب، وإنهاء الحكم “التيوقراطي” المُطلق، و التراجع عن “تكتيك” الإلهاء والإفساد والعُدوان على هُوية الشعب، وإطلاق سراح المعتقلين ظلما للانطلاق نحو الديمقراطية والكرامة والقانون، ارتأى مُهندِسُو النظام المخزني، الذي بات المواطنون جرّاء الحماقات المرتكبَة في ساحة الوطن يشُكّون في سلامة عقولهم، تشميع بيوت الجماعة التي تُضيء بالأمل، والمحبة، والعطف، والرفق، والوطنية العالية، والرحمة الصادقة للإنسانية جمعاء. في جملة: عوضا عن شمع الأمل شمع القمع.
إن الناظر في سياسة النظام إزاء الجماعة يخلُص بلا شك إلى أنها سياسة قائمة منذ نشأة الجماعة على القمع والسَّجن والتطويق المخابراتي والمضايقات البوليسية. سياسة ثابتة بقدر ثبات الجماعة خارج بيت الطاعة الرسمي، في صف المعارضة الأول المُدافع عن حرية الشعب ومصيره وكرامته. سياسة آلية مِحوَرُها طوقُ حصار حديدي مضروب على نشاطات الجماعة وتحرُّكات أعضائها، يشتدُّ ويرتخي بمقدار ما تقتضيه المرحلة الداخلية والأوضاع الإقليمية والدولية. فقبل حملة تشميع البيوت التي انطلقت سنة 2006 بتشميع بيت الأمين العام الأستاذ محمد العبادي، كانت حملة الإعفاءات الجائرة، وقبلها كانت المحاكمات والاعتقالات والحَبس، وكان التنكيل والتعذيب وفظائع شتى… الشيء الذي يزيد الجماعة تشبثا بمواقفها، ويزيدها مضاءً وعزيمةً وقناعةً برسالتها النورانية المُحرِّرة للإنسان والوطن، ويجعل المنتمين إليها أكثر إصراراً على تغيير واقع البلاد المُظلم، وفَتْح أُفُقَه المشَمَّع.