نفحات شهر القرآن

Cover Image for نفحات شهر القرآن
نشر بتاريخ

إن من كرم الله تعالى على عباده المسلمين أن جعل في أعمارهم القصيرة مواسم للخيرات تترى الواحدة بعد الأخرى، وأعطاهم من شرف الوصل ما يستطيع عالي الهمة منهم الإسراع في السير إلى مرضاته والسلوك إليه، وتعويض ما فاته من طاعات، وتفتح له الآفاق في ميدان التنافس، قال تعالى: وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (سورة المطففين، الآية 26).

وخير هذه المواسم شهر الرحمة والغفران؛ شهر رمضان الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بنزول القرآن، في ليلة هي خير من ألف شهر، وفرض علينا صيامه، وسن لنا رسوله صلى الله عليه وسلم قيامه. قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه (سورة البقرة، الآية 185).

شهر أيامه كلها مواسم خير، وفرصة عظيمة للتزود بما يرتقي به المؤمن إلى المراقي العليا، هيأ الله تعالى لنا أسبابها لنصوم صيام الصالحين الصادقين المقربين عند الله الفائزين برحمته، نبتغي وجهه تعالى ونسلك سبل رضاه.

في رمضان تغلق أبواب جهنم وتفتح أبواب الرحمة، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال:  قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا كان رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين” (1).

وأبواب؛ جمع باب، ودلالتها أن الرحمة في رمضان لها أبواب متعددة؛ أعظمها نزول القرآن هدى للناس ورحمة وشفاء. به شرف الله رمضان شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن، وقد كان معلم الإنسانية صلى الله عليه وسلم يحتفي برمضان أيما احتفال، ويحث أصحابه لاغتنام نفحاته، فيقول: “إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم” (2).

لم يكن حاله صلى الله عليه وسلم في رمضان كحاله في غيره من الشهور، لعلمه بما في أيامه ولياليه، التي ميزها عن سائر الأيام، فكان وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أشد اجتهادا في عبادة ربه وقيامه بحقه محبة وشكرا لله على نعمائه، وهو القائل: “أفلا أكون عبدا شكورا” (3)، وجاء من حديث عائشة رضي الله عنها، أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر، أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر (4).

كان أعظم الناس جودا على الإطلاق، وكان جوده يبلغ الغاية في هذا الشهر الكريم؛ احتفاء وتعظيما واستجابة.

يحتفي صلى الله عليه وسلم برمضان حين يجالس سيدنا جبريل عليه الصلاة والسلام، ويحتفي به من خلال مدارسة القرآن، ويفرح بمجالسة الروح الأمين ومدارسة كلام رب العالمين، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام، وكان يلقاه جبريل كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح” (5).

فلنقتدي أحبتي بسيد الأولين والآخرين في هذا الشهر العظيم، عسى الله أن يتكرم علينا بجوده لنحظى بحب نبيه وجواره في أعلى عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. آمين والحمد لله رب العالمين.


(1) صحيح البخاري، رقم 3277.

(2) صحيح سنن ابن ماجه، رقم 1333.

(3) رواه البخاري في كتاب التفسير، 4/ 1830 (4557).

(4) أخرجه البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، باب العمل في العشر الأواخر من رمضان (3 / 47)، رقم: 2024.

(5) صحيح البخاري، رقم 3220.