هدية العيد

Cover Image for هدية العيد
نشر بتاريخ

نبارك لكم أيها الكرام هذه الأيام الفاضلة عند الله تعالى، وكيف لا تكون كذلك ونهارها كان صياما، وليلها قياما، وأواخرها عتق من النار، وبعدها فرحة، ويا لها من فرحة؛ فرحة العيد يعقبها جزاء وهدية، فطوبى لمن صدق وصلى، وقام في جوف الليل يقرأ كتاب الله الموحى للنبي المصطفى عليه السلام، ونهى النفس عن الهوى.

وطوبى أيضا لمن سيواصل السير وفق ما عاشه في هذا الشهر الكريم، فلا معنى لحياة المسلم إن لم يكتب مع الصادقين في أفعاله وأقواله، وإنما سمي صادقا لاستمراره  في الطاعات لما بعد هذا الشهر الفضيل لينال الأجر العظيم، قال تعالى: إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب، 35).

من سنن الله تعالى في كونه أن بعد “العسر يسرا” كما جاء في السورة المكية؛ “الشرح”، وقد أكد الله تعالى على ذلك. إلا أن العسر يتطلب صبرا، والصبر أنواع؛ صبر على الطاعة، وهو ثلاثة أقسام:

“- صبر قبل أداء الطاعة، ويكون بالنيّة الصحيحة الخالية من الرياء والسمعة، والاستعداد لأدائها، والعزم على فعلها، والوفاء بها كاملة من غير نقصان.

– الصبر أثناء أداء الطاعة؛ وذلك باستحضار مراقبة الله -تعالى- للعبد عند أدائها، خاشعاً له -سبحانه-، وقيامه بها على أكمل وجه، مستوفيةً للآداب والسنن.

– والصبر بعد الانتهاء من الطاعة؛ وذلك بكتمانها، وعدم الجهر بها بين الناس، والتخلّص من الرياء والعُجب والسمعة، لأنّهن أسباب في إبطال العبادة، وحبوط الأجر والثواب” (1).

وبذلك فإن هذا النوع من الصبر (الصبر على الطاعات)، يستوجب صدقا في علاقة ثلاثية متلازمة: صدق العبد مع ربه، ومع نفسه بمجاهدتها على فعل الطاعات، ومع الغير ليستكمل عبادته.

ومن الطاعات في يوم العيد حب الخير لعامة المسلمين، والدعاء لهم بالنصر والتمكين في الأرض، والرحمة لمن هم تحت التراب. فما الحكمة من العيد إلا بتوسيع باب الفرح بالله وإدخال السرور على العباد والبعد عن الحقد والكيد والتآمر ضد المسلمين. 

بعد العسر يأتي اليسر، والكرب يليه الفرج، سنن كونية من رب كريم لا ينسى عبده الأواه الممتثل لطاعته، فكلما اشتد الأمر على عبده إلا هيأ له من الجزاء ما لا يخطر على باله. فما عسانا إلا أن نجتهد بالطاعات والقربات إلى الله تعالى، ونشمر على سواعدنا، ونربط علاقة قوية بربنا، فما الدنيا إلا سويعات، والمفلح من حصل على رضى ربه وفاز بأولى الدرجات، قال تعالى: قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها (الشمس، 9-10).

فاللهم أثلج قلوبنا بفرحك وكرمك، وأدم علينا نعمك، وارفع عنا هذا الوباء، وانصر إخواننا المسلمين في كل مكان. آمين.


(1) محمد الحسن الددو الشنقيطي، دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي، صفحة 7، جزء 36. بتصرّف.