هل ستقدم القمة الطارئة جديدا؟

Cover Image for هل ستقدم القمة الطارئة جديدا؟
نشر بتاريخ

تنعقد القمة العربية/الإسلامية الطارئة في ظرف إقليمي ودولي بالغ التعقيد، حيث يعيش الشعب الفلسطيني واحدة من أعنف موجات العدوان الصهيوني، وفي ظل صمت دولي وتواطؤ غربي سافر، وتراجع واضح في الموقف العربي الرسمي عن الحد الأدنى من الالتزام التاريخي تجاه القضية المركزية للأمة. فشعوب الأمة اليوم لا تنتظر بيانات شجب أو تنديد، ولا تريد خطابات عاطفية تنتهي مع انتهاء الجلسات؛ بل تتطلع إلى قرارات جريئة تعيد الاعتبار لفلسطين كقضية جامعة، وتستعيد ثقة الشعوب في مؤسسات العمل العربي المشترك، وتمحو الإهانة والاستباحة التي باتت تتعرض لها العواصم العربية والإسلامية بدء من بيروت مرورا بدمشق وعدن وصولا إلى دوحة قطر، فالعدو الصهيوني يثبت كل يوم أن ما يردده عن إعادة تشكيل خريطة المنطقة ليس تهديدات سياسية أو فرقعات إعلامية، بل هي خطط استيطانية توسعية تلمودية، يجري تنفيذها على الأرض على قدم وساق برعاية غربية أمريكية، وكل خطإ عربي وإسلامي في تقدير الموقف وفي زمن الفعل الصارم والقوي، وكل تعويل على الموقف الغربي والأمريكي هو خطأ استراتيجي كبير ستؤدي الأمة كلها ثمنا باهظا له، حين لا يبقى ثور أبيض ليؤكل.

لقد بات مؤكدا أن الكيان الصهيوني وأمريكا لا يريدان سلاما، ولا يريدان استقرارا، ولا يريدان دولا مستقلة وذات سيادة في المنطقة، ولا يريدان حاكمية للقانون الدولي ولهيئات الأمم المتحدة وقراراتها، وبالتالي فهناك إعادة صياغة للعالم وللمنطقة وفق رؤية ترامبية يمينية متصهينة، لا تقيم وزنا للتحالفات أو الصداقات أو حتى المصالح، فما تعرضت له قطر وهي الوسيط المعتمد إسرائيليا وأمريكيا من اعتداء سافر وانتهاك لسيادتها يطرح أكثر من سؤال، ويفتح أكثر من قوس حول طبيعة التهديدات الحقيقية في المنطقة، هل هي إيران وحلفاؤها في محور الممانعة؟! هل هي القوى الإسلامية؟! هل هي حركات المقاومة المصنفة “جماعات إرهاب” حسب الخارجية الأمريكية؟!

إن استهداف قطر بهذا الشكل المفضوح والفج هو رسالة للنظام العربي الرسمي وبالون اختبار، له ما بعده إن لم تتخذ خطوات قوية عملية من قبيل:

أولاً: تعليق المبادرة العربية للسلام

لقد تجاوز الاحتلال كل الخطوط الحمراء، ونسف عملياً كل أسس ما سُمي بمسار السلام. من هنا يصبح تعليق المبادرة العربية للسلام -التي أُطلقت عام 2002- خطوة ضرورية لإيصال رسالة واضحة بأن العرب لن يبقوا أسرى لوهم المفاوضات العبثية، وأن الكرة الآن في ملعب الاحتلال إن كان يريد سلاماً عادلاً وشاملاً.

ثانياً: قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني

لا يمكن أن يظل التطبيع السياسي والاقتصادي قائماً في الوقت الذي تُقصف فيه غزة وتُستباح فيه القدس. المطلوب من القمة اتخاذ قرار شجاع بقطع العلاقات وسحب السفراء وإغلاق المكاتب التمثيلية، بما يعيد الضغط الدبلوماسي ويعزل الكيان في الساحة الدولية. مع ملاحقة كل قيادات الكيان العسكرية والأمنية والسياسية في المحاكم الدولية وأمام المحاكم الوطنية.

ثالثاً: فرض العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الرسمية

من شأن العقوبات الاقتصادية أن تكون أداة فعالة لممارسة الضغط على الاحتلال، خاصة إذا شملت منع استيراد منتجاته أو التعامل مع الشركات المتورطة في دعم الاستيطان والعدوان. كما يجب إصدار قوانين عربية ملزمة لحظر استيراد البضائع الصهيونية أو المتصهينة، ودعم البدائل الوطنية والمحلية.

رابعاً: تعبئة الشارع العربي

إن الحراك الشعبي كان دوماً سنداً للقضية الفلسطينية، ومن هنا فإن القمة مطالَبة برفع التضييق عن القوى الحية لدعوة الشعوب إلى التعبير عن تضامنها عبر مسيرات مليونية ووقفات رمزية وحراكات شعبية في كل العواصم العربية، في مشهد يوحد الصف ويعيد الأمل.

خامساً: تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك

درع الخليج، والاتفاقية العربية التي بقيت حبيسة الأدراج لعقود، آن الأوان لتفعيلها كآلية للدفاع عن الشعب الفلسطيني وردع الاحتلال عن مواصلة جرائمه. حتى مجرد الإعلان عن تشكيل لجنة عسكرية عربية لدراسة سبل الحماية سيحمل رسالة قوية.

سادساً: إعادة النظر في العلاقات مع حلفاء الاحتلال

ينبغي للعرب إرسال رسالة واضحة إلى واشنطن والدول الغربية الداعمة للعدوان، عبر خطوات مثل سحب السفراء أو تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، حتى تعي تلك الدول أن مصالحها في المنطقة ليست بمنأى عن سياساتها المنحازة، كما أن الدعوة لتشكيل تحالف “أسيو/إفريقي/أمريكي/لاتيني” ضد العنصرية الصهيونية النازية على شاكلة حركة عدم الانحياز خطوة لمحاصرة أمريكا وحليفتها.

سابعاً: دعم المقاومة سياسياً ومالياً وعسكرياً

المقاومة ليست خياراً فصائلياً بل هي حق مشروع كفلته القوانين الدولية لكل شعب تحت الاحتلال. فدعمها مالياً وتسليحياً وتوفير غطاء سياسي لها في المحافل الدولية أصبح ضرورة وليس ترفاً، وينبغي أن يتم الاعتراف بقوى المقاومة واستقبال رموزها.

ثامناً: فتح المعابر والحدود

فلا معنى لأي قرار سياسي إذا بقيت غزة محاصرة، ففتح المعابر من الجانبين المصري والأردني لإدخال المساعدات والإمدادات الطبية والإنسانية واجب أخلاقي وقومي، يضع حداً لمعاناة أكثر من مليوني فلسطيني، وسيكون هو رد فعل عملي وعاجل على البلطجة الصهيونية، فلامعنى للتنسيق الأمني والتعاون الاستخباراتي مادامت تل أبيب لا تلتزم به من طرفها.

أعتقد أن القمة العربية الاستثنائية أمام اختبار تاريخي: إما أن تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية وللعمل العربي المشترك، وإما أن تُسهم في تعميق اليأس الشعبي وتوسيع الفجوة بين الحكام والمحكومين، وبالتالي البحث عن بدائل سياسية شعبية أكثر قوة وفاعلية، فشعوب الأمة لم تعد تنتظر بيانات شكلية، بل قرارات عملية تعيد التوازن إلى المنطقة، وتمنح الأمل بأن فلسطين ليست قضية منسية، بل هي بوصلة وميزان كرامة العرب جميعاً، وأن العلو الصهيوني ينبغي مواجهته والتصدي له قبل فوات الأوان.