بعد الانتهاء من أعمال الصلاة، ركوعا وسجودا، وقياما وقعودا، وأقوالها تلاوة وتدبرا، وتسبيحا وتحميدا، نجلس جلسة التشهد الأخير للتحية والسلام.
وهيئة الجلوس التورك لا الافتراش 1 الذي يكون في التحية الوسطى. أما ألفاظه فعن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهّد، وكفّي بين كفّيه كما يعلمني السّورة من القرآن: “التحيّات لله والصّلوات والطيبات، السّلام عليك أيها النّبي ورحمة الله وبركاته، السّلام علينا، وعلى عباد الله الصّالحين، فإنّه إذا قال ذلك أصاب كلَّ عبد صالح في السّماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله” 2.
سبحان الله! نفس المعاني التي وردت في فاتحة الكتاب عند بداية الصلاة، تتكرر في التشهد لحكم جليلة الله وحده يعلمها.
– التحيّات لله والصّلوات والطيبات
التحية هي التعظيم والتنزيه عن كل نقص، وكل أنواع التحيات والكمالات له سبحانه، كما في الفاتحة من حمد وتمجيد وثناء
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
– السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته
السلام على سيد المصحوبين، سيد المنعم عليهم، كما في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.
– السّلام علينا وعلى عباد الله الصّالحين
إعلانُ الانخراط في موكب الصالحين، المحافظين على الصلوات، ومد صلات الوصل مع مواكب الصالحين في الأرض والسماء، السابقين واللاحقين “فإنَّكُم إذا فعلتُم ذلك فقد سلَّمتُم على كلِّ عبدٍ لله صالحٍ في السَّماء والأرض”.
هذه رابطة قلبية بين مواكب المصلين، الذين ملأوا الأرض بالطاعات والقربات منذ الأزل، وهي مستمرة إلى يوم القيامة، أجيال من الصالحين، يدعو بعضهم لبعض وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر، 10].
وقد من الله تعالى على الأمة الخاتمة من المصلين بأن جعلت لهم الأرض مسجدا وطهورا: “أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي، نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَة” 3.
ثم يسلم العبد المؤمن والأمة المؤمنة، راجعا من الصلاة إلى معاشه، مستحضرا أن رجوعه هذا، ما هو إلا انتظار قلبي لصلاة جديدة حتى يلقى الله تعالى، ما هو إلا رجوع للناس يدعو برفق ورحمة إلى سبيل المصلين الذين تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، وترفع ذكر الله سبحانه وتعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ. إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت، 45].
[2] رواه البخاري رحمه الله تعالى. وقال أبو بكر البزار: هو أصح حديث في التشهد، قال: وقد روي من نيف وعشرين طريقاً، وممن جزم بذلك: البغوي في “شرح السنة”.
[3] أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله، واللفظ للبخاري.