وعد صادق، الحياة الطيبة

Cover Image for وعد صادق، الحياة الطيبة
نشر بتاريخ

تُوعَدُ الحياةُ الزوجية بالطيب والسكينة إذا استيقن الزوجان أنّ الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنّها قنطرة عبور إلى دار البقاء، فيجعلان عملهما الصالح وإقامة شرع الله أساسًا لعلاقتهما. وقد دلّ القرآن الكريم على هذا المعنى في قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 97]، حيث يفيد عموم اللفظ أن وعد الله بالحياة الطيبة يشمل كل من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، رجلا كان أو امرأة، زوجًا أو زوجة. ومن هنا، تتأسس السعادة الزوجية على التزام أحكام الشرع، التي تضبط المعاشرة بين الزوجين وتحدد الحقوق والواجبات بما يكفل استقرار الأسرة ونماءها.

الحياة الزوجية ساحة ابتلاء

تُعَدّ الحياة الزوجية إحدى أهم العلاقات الإنسانية التي بُني عليها عمران الأرض واستقرار المجتمع، وهي ميدان تتجلى فيه قيم الإيمان ومقاصد الشريعة في أوضح صورها. وإذا كان الإنسان مخلوقا مكلّفا خُلق للابتلاء والامتحان، فإن الأسرة تمثل إحدى ساحات هذا الابتلاء، إذ يواجه الزوجان تحديات متواصلة تتطلب منهما الصبر والحكمة والاحتكام إلى شرع الله تعالى.

ولذلك، فإن إدراك الزوجين لحقيقة الدنيا بوصفها دار ابتلاء وعبور إلى دار البقاء يشكل الأساس المتين لعلاقتهما؛ إذ يتحول كل خلاف أو مشقة إلى فرصة للتقرب إلى الله تعالى بالصبر والإحسان. ويغدو العمل الصالح، بمختلف تجلياته من حسن المعاشرة والقيام بالحقوق والواجبات، هو الميثاق الضامن لاستمرار المودة والرحمة بينهما.

وعليه، فإن الحياة الزوجية لا تتحقق فيها الطمأنينة الحقيقية إلا إذا كانت قائمة على وعي إيماني عميق يجعل من العلاقة الزوجية وسيلة للتقرب إلى الله تعالى، لا مجرد علاقة دنيوية. فكلما ازداد حضور قيم الدين في بيت الزوجية، زادت فرص نيل السكينة التي وعد الله بها عباده الصالحين.

العمل الصالح أساس الحياة الطيبة

يربط القرآن الكريم بين الإيمان والعمل الصالح وبين تحقق الحياة الطيبة؛ مما يدل على أنّ السعادة الزوجية لا تُبنى على العاطفة وحدها، لأنها متقلبة وعرضة للفتور، وإنما تقوم على منظومة متكاملة من القيم الشرعية، التي تشمل أداء الحقوق المتبادلة بين الزوجين، وحسن المعاشرة، وتغليب روح المودة والرحمة.

فالتزام الزوج بالإنفاق ورعاية شؤون الأسرة، والتزام الزوجة بحسن التبعل ورعاية البيت، يشيع في الأسرة جوًّا من العدل والاحترام ويقيها من أسباب النزاع. وحسن المعاشرة بالكلمة الطيبة واللين والصبر على الخلافات اليومية، يمثل عبادة تُقرب الزوجين من الله تعالى، كما أن المودة والرحمة تضمن استمرار الحب والدفء العاطفي والحفاظ على الاحترام والرعاية حتى في أوقات الفتور أو الشدة، فتستمر العلاقة على أساس من التعاطف والتعاون.

وبذلك، تصبح الحياة الزوجية مشروعا إيمانيا مشتركا يُتَقَرَّب فيه إلى الله بطاعة أوامره والالتزام بأحكامه، لا مجرد علاقة دنيوية، ويحول هذا الوعي الخلافات والتحديات إلى فرص للنمو الروحي، ليصبح البيت المسلم منبعا للسكينة والطمأنينة، وهي الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين.

يتضح مما سبق أنّ الحياة الزوجية الحقيقية ليست خالية من التحديات، بل هي جزء من الابتلاء الذي خلق الله الإنسان لأجله. غير أن استحضار الزوجين لهذه الحقيقة، وجعل العمل الصالح والالتزام بشرع الله أساس علاقتهما، يفتح لهما باب الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين. ومن ثم، فإن السكينة ليست هبة عاطفية عابرة، بل ثمرة مشروع إيماني مشترك يتجدد مع كل موقف وامتحان يواجه الأسرة.