حين تقدم سلطة مسؤولة على تجاوز كل القوانين والأعراف والأخلاق والقيم في مواجهتها لمعارضيها، وتعمد إلى استغلال سلطتها السياسية والتنفيذية والقضائية والاستعلامية والإعلامية من أجل تلفيق التهم الباطلة زورا وبهتانا، كما حدث في قضية الدكتور باعسو، حين يحدث مثل ذلك، فاعلم أن هذه السلطة قد أفلست سياسيا وأخلاقيا ومروءة وعرفا، وأن الشعب كله بهذا المنطق الأخرق قد أصبح عندها في حالة سراح مؤقت!
والله إن المرء ليشفق على هذا البلد عندما تجد همّ الرؤوس الكبار في تدبير الشأن العام مجتمعين ليل نهار لا من أجل ابتكار وتنزيل استراتيجية النهوض بالبلد وبتنميته وبتعليمه، وبمواجهة لهيب الأسعار الذي اكتوى به الجميع.. لا.. لا.. ليس من أجل هذا.. بل من أجل البحث عن الإيقاع بمواطن بريء من الجماعة في “قضية فساد” بهدف التشويش على احتفالها السلمي الحضاري الجميل الأنيق بالذكرى الأربعين (40) لتأسيسها، رغم كافة الرسائل الإيجابية التي حملتها الكلمة الجامعة الرائعة لفضيلة الأمين العام الأستاذ محمد عبادي.
وعندما لا تجد ما يسعفها في ذلك بعد لهث ولهث.. تستعمل إذن كل وسائل الدولة المفروض فيها أنها في خدمة الشعب وفي خدمة الحقيقة والنزاهة والعدالة.. ذلك في نظام ديمقراطي.. إلا أنه في الأنظمة الاستبدادية توظف وسائل الدولة في أخس ما يوظف لتصير السلطة الحاكمة إلى المآلات التالية:
– تفقد ما تبقى لها من مصداقية.
– تظهر أمام الشعب بمظهر الكذاب الأشر فتسقط من أعين الجميع.
– ينكد الله تعالى عليهم دنياهم قبل آخرتهم؛ فيعيشون معذبين في الأرض بعذابات لا يعلم أكثرها إلا هم ومن يحيط بهم، مهما ظهر للناس أنهم في رفاهية وترف ظاهر. وذلك مصداقا لقول الله العزيز الرحيم: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.
– يعرض هؤلاء القوم المدبرون للمكائد ضد الأبرياء أنفسهم للدعاء عليهم من قبل المظلومين، ومن قبل الصالحين من هذه الأمة، الذين يغارون على حرمات الناس التي عظمها الله وأمر بتعظيمها. ويا ويح ظالم من دعوة صادقة قد تصيبه لا ينهض منها أبدا!
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ”.
فالله يستجيب لدعوة المظلوم كيفما كان ولو كان كافرا مظلوما دعا على مسلم ظالم، وذلك حبا من الله تعالى للعدل وذما للظلم لا حبا لأي كان.. فكيف يا هذا بدعوة أخيك المسلم المظلوم البريء تتهمه في عرضه وفي أخلاقه وتروع أسرته وأحبابه!؟
– تكتب عند الله تعالى من الذين جاؤوا بالإفك: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ. فهذه المجموعة أو الخلية المدبرة لهذا الأمر وعدها الله أنها لكل منهم نصيبه مما خطط وحرض ومكر ونفذ وشهّر.
– لكن زعيم القوم، صاحب القرار في الأمر، توعده الله بشر عظيم والعياذ بالله: وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
فاستعد لهذا يا من تتلاعب بأعراض الناس وبشرفهم وبأخلاقهم. نحن نرجو لكل مسلم توبة ورجوعا إلى الله.. فإنه يا سادة! والله ثم والله! لا طاقة لأحد بعذاب الله. اللهم أجرنا من عذابك برحمتك وعفوك..
ولتتعظوا ويحكم بمن سبقكم: أين سلطتهم؟ أين مكرهم؟ أين خيلاؤهم؟ أين خيلهم ورجلهم؟ أين عدتهم وعتادهم؟ أين أموالهم وخدمهم وحشمهم؟ لا شيء معهم الآن وهم يتوسدون التراب إلى الأبد، الله أعلم بما ختم لهم وإلى أين مآلهم.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
لن نجاريكم في سفاهتكم، ولن نُسَلِّم لمنهج الفساد والإفساد في بلدنا، ولن ننخرط في ظلماته أبدا، مادام كيدا ولعبا وتوظيفا للذمم عوض أن يكون أمرا ناصحا ناصعا مخلصا حرا ديمقراطيا، يختاره الشعب ويقدم له كشف الحساب..
قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِى مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّىٰنَا ٱللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَٰتِحِينَ.
فهونوا عليكم يا هؤلاء، ومن ورائكم، فأنا أذكركم بكلمة فضيلة الأمين العام حفظه الله أنه إن كانت الجماعة على باطل فسيكفيكم الله أمرها، وإن كانت على صواب وحق فالله متول أمرها وناصرها وخاذل المتآمرين عليها..
والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين.