“نخشى أن تصيبنا دائرة” كلمة قرآنية وردت في قوله تعالى من سورة المائدة الآية 54 فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ، وهي تحكي لنا مقال رأس منافقة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي عن سلول؛ فقد كانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع (كشفوا عورة امرأة مومنة بعد أن حاولوا كشف وجهها فأبت عليهم) فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه حتى نزلوا على حكمه، فقام عليه عبد الله بن أبيّ بن سلول فقال يا محمد (نقول نحن صلى الله عليه و سلم): أحسن إلى موالي، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: “ويحك أرسلني”، فقال: لا والله لا أرسلك حتى تحسن إلى موالي، أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني الأبيض والأسود تحصدهم في غداة واحدة، إني امرؤ أخشى الدوائر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هم لك”.
فماذا قال منافقة العصر من بني جلدتنا لما بَغت الفئة الملعونة في القرآن الكريم؟ (والفرق عندنا واضح بين أهل الكتاب من اليهود وبين بني صهيون والحمد لله رب العالمين) لقد قالوا الكلمة نفسها. “نخشى أن تصيبنا دائرة” إن نحن فتحنا الأفواه بله الحدود والمعابر. “نخشى أن تصيبنا دائرة” إن نحن أطعمنا الأطفال والشيوخ بله الرجال والمقاومين. “نخشى أن تصيبنا دائرة” إن نحن شجبنا بله إن استنكرنا…
وماذا قال منافقة العصر من غيرنا لما وأدت هذه الشرذمة ضمير العالم؟ لقد قالوا الكلمة عينها: “نخشى أن تصيبنا دائرة” إن تشدّقنا بحقوق الإنسان. “نخشى أن تصيبنا دائرة” إن نحن همهمنا بالديمقراطية العتيدة. “نخشى أن تصيبنا دائرة” إن…
قالوها جميعهم حالا ومقالا، طوعا، ولا أظن كرها، بعد أن عرّتهم غزة الفاضحة وكشفتهم وأهوتهم حتى أدخلتهم تحت قوله تعالى أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ سورة التوبة الآية 127. والفتنة هنا الموقف الفاضح.
سمعناها منكم مرارا وتكرارا وما انتظرنا غيرها من رصيدكم إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ سورة الأنعام الآية37.
ولكن إن أسمعتمونا أول الآية فنحن نحب أن نُسمعكم آخرها ندية طرية … فعسى الله أن ياتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين سورة المائدة الآية 53. “عسى” الرجاء المحقق ممن له الأمر والنهي عزّ وجلّ؛ و”الفتح” الفردي لكل من آمن وصدّق وعمل؛ و”الفتح” الجماعي للأمة بالعزة والتمكين والعدل والشورى والرحمة؛ و”أمر من عنده” لا يكون إلا رحمة على المستضعفين ونقمة على الظالمين. و”نادمين” بما نافقوا وضلّوا وأضلوا. والله لا يهدي كيد الخائنين.