ومر العام على طوفان الأقصى ولازال المرابطون صامدين في أرض الرباط، يدفعون من دمائهم وحياتهم ثمن سكوت الأمة على الطغيان، يسكنون الخيام صيفا وشتاء، يصبرون على الجوع والأسقام في سبيل الله، يصدقون نبوة رسول الله بثباتهم رغم الخذلان، يذكرون الأمة بضرورة الثبات حتى الممات دفاعا عن أرض القبلة الأولى.
فتحية إجلال وإكبار لأهل الرباط في عسقلان، تحية إلى أمهاتنا الصابرات المحتسبات، اللواتي يرضعن أبناءهن معاني الكرامة ويزرعن حب فلسطين وقيم العطاء والفداء التي ما تلبث تجتث خطط العدو من جذورها.
تحية لكل الشهداء الذين رووا الأرض بدمائهم الزكية، ولكل جريح وأسير.
لقد شكل يوم السابع من أكتوبر صفعة قوية للكيان الغاصب بعد أن استكان لسنوات وظن أنه قد أحكم وطأته على أهل غزة. كان ذلك اليوم بمثابة العاصفة القوية التي دمرت بيته المصنوع من القش؛ فما لبث أن بث المستوطنون صراخهم من هول ما رأوا، ففر البعض منهم من فلسطين باحثا عن الأمان الذي لم يعد يحس به، واختبأ آخرون في الملاجئ آملين انتهاء هذا الكابوس لهم. لكن الكابوس استمر لعام ولا زال الفلسطينيون يكسرون شوكة الاحتلال الذي زعم أنه لا يقهر ولا يردع. مر عام والفلسطينيون يظهرون الصورة الحقيقية للصهاينة الذي لبسوا لسنوات قناع الود والوئام علنا والتعذيب والوحشية سرا. مر عام والفلسطينيون يخلدون لحظات الصفر بتفجير الدبابات، حفاة غير خائفين ولا مختبئين، مظهرين بذلك شجاعة صاحب الأرض والحق أمام جبن الغاصب للأرض. تلك البسالة التي لم نكن نسمع بها إلا في قصص الصحابة والمجاهدين في غابر الزمان، وذلك الصبر الذي لم نعد نسمع به إلا في سير الأولين، تجسد اليوم في أفعال الفلسطينيين الذين أثبتوا أن للمسلم قوة وإيمانا تختفي معه المستحيلات، وله صبر يذلل به العقبات في سبيل الله.
إن هذا الجهاد الذي قام به الفلسطينيون اليوم لهو شمعة تضيء ظلمة الأمة التي استمرت لسنوات، وهو فتيل يقظة توحد به المسلمون في كافة البقاع رغم الموانع والعقبات، وإنه لرفعة تاريخية ينحني لها الكفار وينبهرون بها على مر الزمان.
بقعة صغيرة في فلسطين وحدت كلمة المسلمين وأيقظت كل من له روح الإنسانية كي يلتفت لهذه الفئة وهذا الدين.
لمثل هذا حق أن تجف الأقلام، وتصرف الأموال، وترفع الدعوات. إن الأمل بتحقق وعد الله للمسلمين يلوح من بعيد، إن هم حققوا ما عليهم لنصر هذا الدين.
لأجل هذا أشكر أهل غزة على صبرهم وجهودهم وإيقاظهم لكل من غفا وانغمس في ملذات الحياة كي يلتفت إلى حال هذه الأمة.