يوميات امرأة في الحجر

Cover Image for يوميات امرأة في الحجر
نشر بتاريخ

قبل كورونا كنت كثيرة الشكوى من كل شيء؛ زوجي، أبنائي، وقتي… كل شيء. كنت دائمة الشكوى وكثيرة التبرم، ما هذا؟ يا إلهي، زوجي غير متفهم، لا يساعد، كثير الطلبات، لا يعرف من  التطاوع إلا اسمه. ابني، اه يا ابني كم انت كسول، إذا أردت منه شيئا يجب أن تطلبه بشتى الطرق؛ بالصراخ، بالتوسل، وأنت قائم وأنت قاعد… لعله يجيبك في إحداها ويفعل ما تأمره، تتجاذب معه كأنك تتجاذب مع أمواج البحر الهائج في فترات الجزر، تخور قواك وأنت لم تحصل بعد على مرادك.

ابنتي، آه يا فلذة كبدي، كنت دائما أعرف أن لك شخصية فريدة، فمن يراك بعد أن اشتد عودك يرى تلك الطفلة البريئة ذات الفطرة السليمة، لا تعرفين الكذب أو الخداع، فكنت أقول لنفسي ولوالدك يكفينا منها هذا الأمر، لا نطلب منها الكثير في زمن نرى فيه آباء وأمهات أكبادهم تنفطر من تقلبات أحوال أبنائهم من السيء إلى الأسوإ.

لما قدمت كورونا، ورافقها الحجر المنزلي، غضبت بداية الأمر، فكيف سيمر يومي مع زوجي ومع أبنائي؟ كم صرخة سأصرخ؟ وكم همسة؟ وكم؟ وكم؟ كي أحصل على النزر القليل من التجاوب والتفهم.. ما السبيل إلى تجنب المواجهة مع أبنائي المراهقين؟ أسئلة كثيرة ومتعبة كانت تقض مضجعي. وكم كانت دهشتي كبيرة لما أرتني كورونا أن كل العيب وكل الشكوى كنت أنا مصدرها الوحيد والأوحد، علمتني كورونا أن الحياة ليست عبارة عن أوامر أطلقها كي ينفذها الآخر بكل سهولة، علمتني أن الحياة تفاعل مشترك بين جميع أفراد العائلة، علمتني أن الحب غير المشروط هو سبب السعادة ومفتاحها.

أرتني كورونا ما كنت أجهل؛ فالزوج، الذي كنت أظنه من نوع “سي سيد”، رجل حنون ومحب ومتفهم ومبادر. ابني، آه يا عمري، كم أنا مصدومة من نفسي، فعندما كنت أقايضك بالصلاة الهاتف كنت أقوم بخطإ جسيم، ولولا قدر الله هذا لكانت النتائج وخيمة..

نعم كورونا جعلتني أغير معاملتي اتجاه نفسي وعائلتي، فلم يعد همي؛ هذا درس وهذا أكل وهذا… بل أصبح همي: كيف نعيش بحب وسكينة ومودة، وكيف نتجاوز هذه المحنة بسلام وفهم لذواتنا والمحيطين بنا.

جالست نفسي وحاورتها وتجاذبنا أطراف الحديث، حول ماذا تريدين من هذا ومن ذاك…؟ فوجدتني أقف على صخرة عالية، أنظر من خلالها إلى أفراد عائلتي برؤية بعيدة لا تمت للواقع بصلة، أخاطبهم بـ”افعل” و”لا تفعل”، فاندهشت أيما دهشة، كيف أخاطبهم بهذه اللغة التي أرفضها رفضا قاطعا لنفسي، فكيف أرضاها لأناس هم كل حياتي.

عندها عدلت من شخصيتي، وقاومت مزاجيتي، فأصبحت أرى الابن نعم الولد، لم يكن الهاتف همه، ولم تكن الدراسة مشكلته، لم يكن تجاوبه ذاك مع أوامري إلا ردة فعل يعبر من خلالها أنه كيان مستقل يجب التعامل معه وفق هذا الأساس، يحِب ويحَب بطريقة سليمة وليس بحب التملك، وأما الابنة، أي نعم لها شخصية فريدة وفطرة سليمة، لكني كنت سأدمرها تدميرا لولا الألطاف الإلهية.

علمتني كورونا اليوم أنه لا بد في الحياة من وقفات للتأمل، وجلسات مع الذات، تكون أولى أولوياتها مواجهة  أخطائنا.

علمتني كورونا أن الحياة قصيرة جدا، لا يجب إهدارها في أشياء تافهة.

علمتني أنه بالحب ومع الحب نستطيع أن نتجاوز كل الخلافات الأسرية، وأن نبني ذكريات جميلة مع بعضنا البعض.

علمتني أن أعرف حقيقة المعرفة وأوقن حق اليقين أن الهدف من هذه الحياة هو: ماذا أعددت فيها لآخرتك؟

شكرا لكم أفراد عائلتي على تقبلكم لكل سخافاتي، وشكرا لك كورونا على هذه الوقفة التأملية مع الذات، التي من خلالها استطعت أن أنظر لبشاعة المنظر وأتلافى أخطائي، شكرا لك على هذا الوقت المستقطع الذي جعلتنا نحظى به لنعرف بعضنا، ونستكشف بعضنا وذواتنا، شكرا لك لأنك علمتنا كيف نحب بعضنا دون قيد أو شرط.

وأعدك إن كان في العمر بقية أن أقف مثل هذه الوقفات لتصحيح المسار، وإن كان الأجل قد حان فأسأل الله العظيم أن يغفر زلاتي، وأن لا يؤاخذني على جهلي وغفلتي.