عقب مرور أزيد من سنتين على اكتساح جائحة كورونا، وما خلفته من كوارث اجتماعية اتخذت عدة مظاهر بدءا من زيادة معدلات الفقر والهشاشة واتساع رقعة العطالة والبؤس… وما تلا ذلك من جفاف ثم انعكاسات حرب أوكرانيا على الاقتصاد، أدت لاشتعال أسعار المحروقات والمواد الأساسية بالمغرب، دعت الحكومة النقابات المصنفة أكثر تمثيلية لتوقيع اتفاق اجتماعي قبل فاتح ماي 2022 بيوم واحد.
كان المأمول أن يأتي على رأس مخرجات هذا “الحوار الاجتماعي” زيادة فورية في أجور ومعاشات الشغيلة المغربية ومتقاعديها، وتخفيف الضغط الضريبي على الدخل تأسيسا للعدالة الاجتماعية، ومواجهة موجة الغلاء غير المسبوقة، وتخفيف الهجوم على القدرة الشرائية للمغاربة.
وبالنظر لحجم الانتظارات، رفضت بعض النقابات توقيع أي اتفاق غير منصف مع الحكومات السابقة، وظل بعضها متشبث بمطلب زيادة 1000 درهم صافية في أجور الموظفين والمستخدمين في القطاع العام ورفع الأجر الأدنى إلى 4000 درهم (مذكرة الاتحاد المغربي للشغل).
بالنظر إلى كل هذا، وإلى سرعة توقيع النقابات على عرض أخنوش الأقل من سابقيه، فقد شكل الاتفاق خيبة أمل كبيرة في صفوف الشغيلة المغربية، وأفرز موجة غضب تجسدت في حجم الانتقادات اللاذعة التي ووجهت بها القيادات النقابية في فضاءات التواصل الاجتماعي والنقاشات المباشرة وفي عزوف الكثير من المناضلين عن المشاركة في فعاليات فاتح ماي لهذه السنة.
1- تسوية ملفات قطاع التربية الوطنية والالتزام بإصلاح المدرسة العمومية بإرساء نظام جديد موحد…
مطلب إصلاح المنظومة التعليمية والنهوض بالمدرسة العمومية أسال الكثير من المداد وصرفت لأجله ميزانيات ضخمة من دون أية نتائج معتبرة تذكر لسبب بسيط: لا يمكن تحرير التعليم والتقدم بالمدرسة العمومية في مجتمع يرزح تحت الاستبداد.
توالت بالمغرب مخططات إصلاح التعليم وأخرى لتقييم الإصلاح وثالثة لإصلاح الإصلاح وهلم جرا، والنتيجة ما نرى من أفواج ملايين الأطفال الذين يغادرون مقاعد الدراسة مبكرا، ومعاناة أطر التدريس وضعف بنية الاستقبال بالمؤسسات التعليمية وتراجع النتائج وضعف البحث العلمي وتفريخ الجهل والتجهيل.
التعليم حق أساسي وعنه تتفرع الكثير من الحقوق، ولم يسجل التاريخ تقدم أمة من الأمم إلا عبر بوابة تعليم عمومي شامل وفعال وذو جودة ونجاعة وضامن لامتلاك ناصية العلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة.
السعي لتحرر المجتمع من الاستبداد مقدمة أساسية لتحرير التعليم، والتقدم الحاصل في الغرب جاء بعد تحرر الإنسان من ديكتاتورية الإقطاع والكنيسة واستقلال التعليم عن الدولة في جزء كبير منه واحتضان المؤسسات الخاصة للكفاءات والنوابغ من خلال المدارس العليا والمعاهد المتخصصة في شتى المناحي العلمية والمعرفية والتكنولوجية، غير هذا سنبقى نجتر الخيبات والنكسات والمراتب المخجلة في التصنيفات العالمية.
2- الزيادة العامة في أجور القطاع العام والعمل مع المركزيات النقابية على أجرأة هذا الالتزام:
يسجل هذا المخرج من مخرجات “الحوار الاجتماعي” أكبر استهتار واستغباء للشغيلة المغربية لسببين رئيسيين:
1- باعتباره وعدا فضفاضا غير محدد زمانا.
2- وباعتباره وعدا مطاطا غير محدد القيمة.
إذا أضفنا لذلك عدم وفاء الحكومات بتنفيذ مخرجات اتفاقات سابقة مر على توقيعها أزيد من عقد من الزمن، يبدو أننا بإزاء عملية شراء سلم اجتماعي شبه مجانية ومن دون ضمانات حقيقية.
3- توقيع الميثاق الوطني للحوار الاجتماعي:
إن اعتبار توقيع هذا الميثاق إنجازا في حد ذاته يعد تبخيسا لنضالات الحركة النقابية عموما، ذلك أنه لا يعدو كونه مكسبا صوريا ما دام غير مسيج بضمانات قوية وحقيقية.
نستحضر في هذا المقام توقيع عشرات المواثيق والاتفاقات من دون أثر حقيقي على واقع الشغيلة المغربية، اللهم امتصاص الغضب الشعبي والتسويق لانتصار متوهم.
إذا أخذنا بعين الاعتبار هذا التوقيع وربطناه بدورية وزارة الداخلية الأخيرة التي تجرم نضال الجمعيات المهنية من غير المركزيات المعترف بها كالتنسيقيات الفئوية، فإننا بصدد عملية محكمة لتسييج وتأميم النضال والممارسة النقابية من خارج الحقل النقابي الرسمي.
4- إقرار رخصة الأبوة مدتها 15 يوما:
تعتبر هذه الجزئية من مخرجات “الحوار الاجتماعي” ومثيلاتها (كالزيادة الهزيلة للمولود الرابع والخامس والسادس التي لا تتجاوز 64 درهما) من مكملات ومضحكات نتائج هذا الحوار، وإلا لماذا لم تضف مثل هذه الرخصة للأم ولماذا لا تمدد أكثر حتى لا تكون الأم مطالبة بتسليم وليدها في سن مبكرة للغرباء كعاملة المنزل أو دور الحضانة، دونما مراعاة لعاطفة الأمومة ولا لحقوق الرضيع.
5- زيادة في الحد الأدنى للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة بنسبة 10 %:
هذه الزيادة على هزالتها وعدم تناسبها مع الزيادات المتتالية للأسعار ستقسم لقسمين 5%
مطلع سنة 2023 و5% بداية 2024.
ماذا تساوي هذه الزيادة؟
بعملية بسيطة فهي لا تتعدى 141,43 درهما باعتبار الحد الأدنى للأجور بالقطاع الصناعي وأقل من ذلك بكثير بالقطاع الفلاحي، يعني ذلك ما دون الفتات.
في المحصلة، يبقى هذا الاتفاق شبه فارغ من مكاسب حقيقية ودون التطلعات ومتراجع عن اتفاقات سابقة، امتنعت النقابات عن توقيعها، ويبقى النضال الميداني وتوحيد المطالب الضمانة الحقيقية لرفع الحيف عن الشغيلة المغربية وتحصين حقوقها وصون مكتسباتها.