ت- قرارات الإغلاق الصادرة عن العامل
أ- الطبيعة القانونية لقرارات الإغلاق:
بالرجوع إلى قرارات إغلاق بيوت مجموعة أعضاء من جماعة العدل يتضح أنها جميعها صادرة عن العامل.
وأن هذه القرارات، باعتبار الجهة المصدرة لها، قرارات إدارية وليست قضائية.
وأن هذه القرارات، اعتمدت في ديباجتها، كأساس قانوني لها، ثلاثة نصوص قانونية هي على التوالي:
– الظهير رقم 1.58.377 بتاريخ 15/11/1958 بشأن التجمعات العمومية، كما تم تغييره وتتميمه،
– الظهير رقم 1.84.150 بتاريخ 02/10/1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها، كما تم تغييره وتتميمه،
– القانون رقم 90-12 المتعلق بالتعمير كما تم تغييره وتتميمه.
ب- الطبيعة القانونية للمساكن المغلقة:
لابد، قبل تحليل المقتضيات القانونية المعتمدة من طرف العامل، من توضيح الطبيعة القانونية للمساكن موضوع الإغلاق.
فالبيت موضوع الإغلاق، والكائن بحي الحداوية 1 رقم 16-18 شارع فاس عين الشق الدار البيضاء، عبارة عن فيلا سكنية مكونة من قبو وطابق أرضي وطابق أول.
وأن الفيلا موضوع قرار الإغلاق، مشيدة منذ أكثر من 30 سنة، ولا تظهر عليها علامات الإصلاح أو الترميم.
وأن الفيلا هي ملك خاص، مسجلة في المحافظة العقارية في اسم السيدين عبد الكبير حسيني وصهره إبراهيم دازين، كما توضح ذلك شهادة الملكية المستخرجة حديثا من المحافظة العقارية.
وأن البيت المغلق، تبعا لذلك، بيت خاص، يقع في الملك الخاص للأفراد.
ج- الأساس القانوني لقرارات الإغلاق:
لا بد، من أجل تقييم مشروعية قرار الإغلاق الصادر عن العامل، من تحليل الأساس القانوني المعتمد فيه، والذي ارتكز على ثلاث نصوص قانونية، كما سبق الإشارة إلى ذلك، نتولى تحليلها على الشكل الآتي.
أ. اعتماد ظهير 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية لأجل تبرير الإغلاق:
بالرجوع إلى الظهير رقم 1.58.377 بتاريخ 15/11/1958 بشأن التجمعات العمومية، كما تم تغييره وتتميمه، يتضح أنه ينظم مجموع الإجراءات المتعلقة بالاجتماعات العمومية والمظاهرات بالطرق العمومية والتجمهر.
وعلاقة بموضوع المقال، فإن هذا النص لم ينظم الاجتماعات الخاصة، أي تلك التي تعقد في مكان خاص، بيت مثلا، بين أشخاص معينين، مما يجعل هذه الاجتماعات في إطار المباح الذي لا قيد عليه.
وفضلا عن ذلك فإن صفة العمومية منتفية عن الاجتماعات التي تعقدها جماعة العدل والإحسان باعتبارها جمعية مؤسسة بكيفية قانونية، وباعتبار اجتماعاتها وأنشطتها معفاة من التصريح عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من ذات القانون.
وبصرف النظر عن ذلك كله، فإن الفصل التاسع الذي يجرم جنحة عقد اجتماعات بدون تصريح يعاقب عليها بغرامة تتراوح بين 2000 و5000 درهم دون أن ينص على إغلاق المحل الذي كان يعقد فيه الاجتماع كأحد التدابير الوقائية العينية المنصوص عليها في الفصلين 62 و90 من القانون الجنائي.
وقد أجمع الفقه الجنائي على مر العصور على تطبيق قاعدة تؤطر حقوق وحريات الأفراد وهي قاعدة “لا جريمة وعقوبة إلا بنص”، أو كما يحلو لبعض الفقه الجنائي تسميتها بمبدأ الشرعية أو النصية.
وقد أكد المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 3 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”.
فمؤدى هذا الفصل أنه لا يمكن محاكمة شخص على فعل إلا إذا جرمه القانون، كما أنه لا يمكن معاقبة شخص إلا بالعقوبات الواردة في نص التجريم وإلا تم العبث بمبدأ الشرعية أو النصية.
وبالتالي يكون ما أقدمت عليه السلطات الإدارية تأسيسا على ظهير 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية من إغلاق للبيوت وتشميعها بدعوى عقد اجتماعات عمومية بدون تصريح، عملا منافيا للمشروعية ويشكل اعتداء ماديا على الملكية الفردية.
وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالناظور بمناسبة محاكمة أحد أعضاء جماعة العدل والإحسان وهو الأستاذ جمال بوطيبي من أجل عقد اجتماعات عمومية وكسر أختام وذلك في قرارها عدد 271 الصادر بتاريخ 22 فبراير 2007 في الملف رقم 1/2007 الذي جاء فيه:
“بالنسبة لكسر أختام موضوعة بأمر من السلطة العامة.
حيث إن الشرطة القضائية قامت بإغلاق منزل المتهم وتشميع بابه بناء على تعليمات الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور وأن المتهم قام بفتح المنزل بعد أن قام بكسر الختم.
وحيث إن إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة يعتبر من التدابير الوقائية العينية طبقا للفصل 62 من القانون الجنائي ويجب أن تقضي به المحكمة التي تصدر العقوبة الأصلية والحال أن إغلاق منزل المتهم كان بأمر من الوكيل العام للملك وقبل صدور الحكم من أجل الأفعال المتابع بها المتهم.
وحيث إنه بمراجعة ظهير 15/11/1958 المتعلق بالتجمعات العمومية يتضح أنه لا يتضمن كتدبير وقائي إغلاق المقرات أو المحلات التي تعقد فيها التجمعات العمومية بدون تصريح وعليه يبقى أمر إغلاق منزل المتهم عمل غير مشروع وبغض النظر عن قيام المتهم بكسر الختم الموضوع على منزله أو عدم قيامه بذلك فإن الدخول إلى المنزل بعد كسر الختم من طرف المتهم يبقى مبررا مادام أن وضع الختم بداية كان من جهة غير مخولة قانونا للقيام بهذا التدبير وقبل صدور العقوبة الأصلية.
وحيث إنه استنادا إلى ما ذكر تكون جنحة كسر أختام موضوعة بأمر من السلطة العامة غير ثابتة في حق المتهم وأن الحكم المستأنف عندما قضى بإدانته من أجلها كان مجانبا للصواب ويتعين إلغاؤه في هذا الجانب”.
وقد أبرم قرار محكمة الاستئناف بالناظور بموجب قرار محكمة النقض عدد 2165/5 الصادر بتاريخ 03/12/2008 في الملف الجنحي عدد 10801/6/5/2007.
ب. الإغلاق الإداري للمنازل من خلال القانون المنظم للتعمير:
لقد سبق أن استعرضنا بإيجاز ضوابط إغلاق المساكن المعتمرة في إطار القانون 12.90 المنظم للتعمير، ونعود فيما يلي للموضوع بتفصيل أكبر.
إذ نص المشرع على مسطرة الإغلاق، كم سبق الإشارة إلى ذلك، في المادة 67 من القانون 12.90 كما وقع نسخها وتغييرها.
والملاحظ من خلال هذا النص القانوني أن المشرع لم يجز إغلاق المحل أو بالأحرى الورش ووضع الأختام عليه إلا إذا كانت أشغال بنائه ما تزال جارية، وامتنع صاحبها عن الامتثال للأمر المبلغ إليه بإيقاف الأشغال.
أما بالنسبة للأماكن المعتمرة، فإن المشرع خط مسطرة مختلفة وواضحة بمقتضى المادة 66 من القانون 12.66 كما وقع تغييرها، حيث إن المشرع هنا لم يجز للسلطة الإدارية إغلاق أو هدم المبنى المستغل للسكن، وجعل دورها يقتصر على معاينة المخالفة وإحالة المسطرة بخصوصها على الجهات القضائية المختصة.
ت. الإغلاق الإداري للمنازل من خلال القانون المنظم للأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها:
حيث استند قرار الإغلاق أيضا على الظهير المعتبر بمثابة قانون رقم 1.84.150 الصادر في 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها كما وقع تغييره وتتميمه بالظهير رقم 1.07.56 الصادر في 23 مارس 2007 بتنفيذ القانون رقم 29.04.
لكن الملاحظ هو أن هذا النص بدوره لا يسعف الإدارة فيما ذهبت إليه من إغلاق المساكن لاعتبارات ثلاثة:
أولا- أن هذا النص يحيل على قانون التعمير وخاصة الباب الرابع منه، وهو ما يعني أن ما استعرضناه بمناسبة تحليل مقتضيات القانون 90-12 المتعلق بالتعمير، يصح أيضا في هذا الباب، والذي يقضي بأن الإغلاق لا يمكن أن يطال مسكنا آهلا ولكن فقط ورش البناء الذي مازالت أشغال البناء جارية به.
ثانيا- أن الظهير ينظم مسطرة بناء وتشييد المساجد وأماكن العبادة والتراخيص المرتبطة بها، وليس مسطرة إقامة الشعائر الدينية داخل البيوت السكنية.
ذلك أن الصلاة داخل بيوت المسلمين، فرادى وجماعات، كما ذكر الله وتلاوة القرآن فيها والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه داخلها، لا يخضع للظهير رقم 1.84.150 الصادر في 2 أكتوبر 1984 المتعلق بالأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها.
ثالثا- أن المسجد المعني بالترخيص، حسب مدلول الظهير نفسه، وحسب المفهوم من سائر مقتضياته، هو المكان المفتوح في وجه عموم المسلمين، بصريح نص الفصل 7 الذي ينص على أنه:
“تفتح الأبنية المشار إليها بالفصل الأول أعلاه في وجه عامة المسلمين لإقامة شعائر الدين الإسلامي بها”.
ولذلك، وللتأكيد على طابعها العمومي، فإن الفصل 6 من نفس الظهير نص على أنه:
“تعتبر وقفا على عامة المسلمين ولا يمكن أن تكون محل ملكية خاصة جميع الأبنية التي تقام فيها شعائر الدين الإسلامي سواء منها ما هو موجود الآن أو ما سيشيد في المستقبل من مساجد وزوايا وأضرحة ومضافاتها”.
وهو نفس ما أكده قرار وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية رقم 472.06 صادر في 9 صفر 1427 (10 مارس 2006) في شأن تسمية المساجد وفتحها في وجه المصلين، جاء فيه: “… يخضع فتح المساجد والأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي فيها في وجه عموم المسلمين، أيا كانت الجهة المشرفة على بنائها، لتصريح كتابي مسبق توجهه الجهة الراغبة في ذلك إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
وكل تخصيص لأي مكان آخر لإقامة الصلاة من غير الأماكن المشار إليها، يفتح في وجه عامة المسلمين، يخضع لنظام التصريح المشار إليه في الفقرة الأولى أعلاه”.
وكما يتضح من الفقرة الأخيرة للقرار المذكور، فإن العبرة بسلوك مسطرة الترخيص هو “فتح المكان في وجه العموم”.
وأن ذلك يجعل المسكن الخاص المملوك لصاحبه، غير المفتوح في وجه العموم، بعيدا عن إطار تطبيق النص المذكور.
وتبعا لهذا التفصيل المقتضب لنصوص القانون المعتمدة من طرف السيد العامل، فإن الواضح أن قرارات إغلاق مساكن معتمرة بدعوى ممارسة شعائر الدين الإسلامي بها، أو بدعوى مخالفة البناء لقانون التعمير، أو بدعوى عقد تجمعات عمومية بها بدون تصريح، هي قرارات تفتقد إلى المشروعية، وتمت ضدا عن النصوص القانونية المنظمة.
خلاصة
في خاتمة هذا الموضوع، يمكن أن نخلص إلى أن مثل هذه القضايا لا تهم المصالح المباشرة للمتضررين من مثل هذه الأعمال والقرارات الإدارية فقط، ولكنها تهم المجتمع المغربي كاملا، لما تتضمنه من مس باستقلال السلطة القضائية، وتقويض لأسس دولة الحق والقانون.
لذلك وجب على المحامين ورجال القانون والحقوقيين أن يتصدوا لهذا الموضوع، كتابة ودفاعا ومآزرة، كما وجب على القضاء أن يكون في مستوى اللحظة التاريخية. لقد انتزع المجتمع المغربي إقرار مبدأ استقلال السلطة القضائية من خلال مسار حافل بالمظاهرات والاحتجاجات السلمية والكتابات والمؤتمرات، ونعتقد أن على القضاء سلطة، والقضاة أقلاما وجمعيات، المحافظة على هذا المكتسب وفرض احترامه على الجميع.