التعليم بالمغرب: واقعه وسبل إنقاذه

Cover Image for التعليم بالمغرب: واقعه وسبل إنقاذه
نشر بتاريخ

سؤال:

عرف التعليم بالمغرب، محاولات متعددة “للإصلاح”، فما هو تقييمكم لمسلسل هذه “الإصلاحات”؟

جواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيد المرسلين. بعد خروج المستعمر الفرنسي، حاول بعض فضلاء الحركة الوطنية ورجال الفكر بالمغرب إصلاح الحقل التعليمي، وتحقيق مبادئ التعميم والتعريب والمجانية والتوحيد ومغربة الأطر التربوية لبناء نظام تعليمي فاعل، استجابة لطموحات الشعب المغربي، لكنهم أيقنوا مبكرا أن المستعمر لم يخرج إلا بعد أن كون نخبة مغربة فكرا ولغة وسلوكا، هي التي آلت إليها مقاليد الأمور. فتضافر التغريب الفكري مع الفساد الأخلاقي والإداري ليفرغ المحاولات الإصلاحية من أي جدوى علمية أو عملية.

ونظرا لطبيعة العلاقة التي تربط الحقل التعليمي بالجهات الحاكمة التي لم تستطع صياغة سياسة راشدة في هذا المجال، فقد كان التحكم في القرار التربوي واضحا، وكانت السلطة السياسية تفشل أي محاولة جادة للإصلاح تنبعث من هنا أو هناك، والأمثلة في هذا السياق كثيرة، منها البيان التاريخي الذي صدر سنة 1970، والذي وقعته خمسمائة شخصية من مختلف ألوان الطيف السياسي والنقابي والعلمي والفكري، والذي مثل صرخة تنديدية بسياسة الدولة التعليمية، التي سارت في ركاب طمس الهوية الإسلامية واللغوية للشعب المغربي، لكن البيان كان صرخة في واد ونفخة في رماد، حيث سارت” الإصلاحات” في غير الاتجاه الذي يخدم المجتمع، واستمر استفراد المخزن بالقرار التربوي استفرادا مبطنا بلبوس يأخذ أشكالا متعددة من اللجان والمؤسسات لإضفاء المشروعية على مهازل الإصلاحات التي أنتجها.

سؤال:

كان إصدار “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” آخر محاولة في مسلسل “الإصلاحات” التعليمية، كيف تقيمون هذه المحاولة؟

جواب:

لفهم الظروف والسياق الذي صدرت في إطاره الوثيقة المسماة “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، يجدر بنا التذكير أن هذه المحاولة، جاءت على أنقاض العمل الذي أنتجته اللجنة الوطنية المكلفة بقضايا التعليم، والمحدثة بموجب رسالة ملكية، وكانت لجنة موسعة ضمت ثمانين برلمانيا ومائتين وخمسين تقنيا، وقد اشتغلت هذه اللجنة مدة عشرة أشهر من 2 غشت 1994 إلى 30 ماي 1995، وكيفما كان اختلافنا معها، في جزئية من الجزئيات، أو أولوية من الأولويات، فإنه من الإنصاف أن نقر أن جل أعمال هذه اللجنة، كان منسجما مع أهم المطالب الاجتماعية في المجال التربوي، وقد تم إقبار هذا العمل من قبل الملك الراحل رحمه الله، الذي وصفه بكونه ” يطبعه تفكير الستينات والتعريب الأعمى المطلق والمجانية الهوجاء”، فكان أن تأسست اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، التي أنتجت “الميثاق” على أنقاض اللجنة السابقة.

وبغض النظر عن عدم دستورية اللجنة الملكية الخاصة بالتربية والتكوين، فإن الميثاق الذي أصدرته، كان تنفيذا حرفيا لإملاءات البنك العالمي، ولا يعكس فلسفة المجتمع المغربي في الشأن التربوي، المؤسسة على مرجعيته الإسلامية وثوابته الحضارية.

سؤال:

في إطار السياق الذي تحدثتم عنه، ما هو تقييمكم للوضع التعليمي الحالي بالمغرب؟

جواب:

أولا: إن وضعية التعليم لا يمكن أن تنفصل عن الوضع العام الذي يعيشه المغرب حاليا على جميع المستويات، وهو وضع يوصف بالإفلاس.

ثانيا: إن التقويم الحقيقي لوضعية التعليم، تتطلب الحصول على معطيات إحصائية دقيقة. وللأسف، فإن السلطة الوصية على القطاع، تقدم إحصائيات مغلوطة لا تعكس الواقع، فهي عندما تتحدث عن “التقدم المحرز” في مجال تعميم التمدرس مثلا، تبرز تطور أعداد تلاميذ فئة عمرية معينة على مدى زمني معين، دون أن تشير إلى نسبة التلاميذ الممدرسين من هذه الفئة، مقارنة بالعدد الإجمالي لهذه الفئة من ساكنة المغرب. وهذه المغالطات من شأنها إخفاء جزء من الحقيقة ولا يمكنها أن تحجب، بأي حال من الأحوال، كارثية الوضع التعليمي الحالي بالمغرب، والتي أصبحت واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، سواء أمام المواطن العادي أو الباحث المختص.

ثالثا: إن سياسة المخزن غير الرشيدة، وتحكمه في دواليب السياسة والاقتصاد والإدارة وكل القطاعات الاجتماعية، بمنطق “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد”، كل ذلك أفضى بالوضع العام إلى الإفلاس الشامل،وجعل قطاع التعليم بشكل خاص، في قعر هوة سحيقة لا قرار لها، وقد عبرت بعض الصحف الوطنية عن هذه الوضعية بحالة الاحتضار.

سؤال:

هل لكم أن تدلوا ببعض الأمثلة باعتبارها مؤشرات تؤكد ما ذهبتم إليه؟

جواب:

أولا: إن أغلب الرهانات التي وضعها “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” لم تتحقق، ففي التعليم الأولي، الذي راهن على تعميمه سنة 2004، انخفضت نسبة تمدرس الفئة العمرية 4-5 سنوات، من 55.2 في الموسم الدراسي 1999/ 2000 إلى 51.3 في الموسم 2004/2005. وتعميم تمدرس كل الأطفال البالغين 6 سنوات، الذي راهن الميثاق على تحقيقه سنة 2002، لم تتجاوز نسبته 89.58 سنة 2005، ونفس الإخفاق ينطبق على الرهانات الأخرى بما فيها محو الأمية.

ثانيا: على مستوى التدبير، تعتبر اللامركزية التعليمية اختزالا للامركزية بالمفهوم المخزني في رقعة جغرافية جهوية أو محلية، ذلك أنه بعد صدور القانون 00.07 المحدث للأكاديميات الجهوية، والانطلاق في أجرأته، تبين أن المجالس الإدارية للأكاديميات مجالس شكلية، لا تجتمع إلا مرة واحدة في السنة من أجل المصادقة على الميزانية ، هذا فضلا عن طغيان المضمون المخزني على التشكيلة المكونة لها، التي لا تتجاوز نسبة الممثلين المباشرين للقطاع التربوي بها 25 %، وهي التي تلتزم بالاشتغال في اللجان الدائمة للمجالس. والأمر في هذا الإطار لا يعدو أن يكون نقلا لبعض الاختصاصات الممركزة إلى المصالح الجهوية الخارجية للوزارة. ومن غرائب اللامركزية التعليمية،أن مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لا يستطيع التوقيع على الأنظمة الداخلية للمؤسسات التابعة لتراب الجهة التي يمثلها إلا بتفويض خاص من الوزير!

ثالثا: إن التعليم الابتدائي يعيش عبثا من نوع خاص، حيث خليط غير متجانس من المواد والبرامج، وطغيان الهاجس الكمي، واستفحال الازدواجية اللغوية على حساب لغة القرآن. ويكفي أن نشير إلى أن الغلاف الزمني المخصص لتدريس اللغة الفرنسية في السلك المتوسط الابتدائي (المستويات 3 و4 و5 و6) هو 1072 ساعة مقابل 867 ساعة لتدريس اللغة العربية ! فهل تقوم أي دولة تحترم نفسها بهذا العبث، في وقت يكون الطفل أحوج ما يكون إلى ترسيخ أقدامه على أرض لغته الوطنية؟

رابعا: إن ظرفية ممارسة التوجيه التربوي والإعلام المدرسي والمهني، تجعل قرارات التوجيه غير مستندة على معلومات موضوعية عن قدرات المتعلمين واستعداداتهم. وليس هناك تصور شامل لنوع الإنسان المراد تخريجه. أما التخطيط التربوي، فيتم اختزاله في عمليات روتينية من قبيل إعداد الخريطة المدرسية وتعديلها واقتراح ودراسة إحداث البناءات المدرسية وبرمجتها.

خامسا: يعاني التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي من اختلالات متنوعة منها الاكتظاظ بالأقسام، وارتفاع نسبة الهدر المدرسي، وضعف تغطية الجماعات القروية، حيث لا تتجاوز نسبة التغطية بالإعدادي 40 % و 10 % بالتأهيلي، هذا فضلا عن الخصاص في الداخليات وقلة المنح الدراسية المخولة للتلاميذ. أما على مستوى البرامج والمناهج، فحدث ولا حرج عن أشكال العبث، ففي التعليم التقني الصناعي مثلا، تدرس المواد العلمية العامة باللغة العربية، بينما تدرس المواد العلمية التطبيقية ومواد التخصص باللغة الفرنسية. هذا إضافة إلى أن عدد تلاميذ التعليم التقني لا يمثل إلا 4.83 % فقط من مجموع تلاميذ التعليم الثانوي التأهيلي حسب الموسم الدراسي 2003/2004، وهي نسبة ضعيفة تؤشر إلى ضعف التوجه إلى الشعب التقنية.

سادسا: عدم وجود نسيج اقتصادي مؤهل لاحتضان المتخرجين من التكوين المهني، والذي ما تزال نسبة التلاميذ الملتحقين به ضعيفة حيث لا تتجاوز 3.10 %. وفي ظل هشاشة المقاولات، يستحيل الحديث عن التكوين بالتناوب والتكوين بالتمرس.

سابعا: على مستوى التعليم العالي، يلاحظ اكتظاظ كبير في المؤسسات ذات الولوج المفتوح، بينما لا يتم استعمال سوى ثلث الطاقة الاستيعابية للمؤسسات ذات الولوج المحدود. ويعاني هذا القطاع من ضعف كبير في نسبة التمدرس بالمقارنة مع عدد سكان المغرب، حيث لا يتجاوز العدد 1165 طالبا لكل مئة ألف نسمة من السكان، و 9.6 % من الفئة العمرية 19-24 سنة، مقابل 9.8 % في الجزائر، و13% في تونس، و18% في مصر والأردن، و39.8 % في إسبانيا، و46.5 % في فرنسا.

هذا بالإضافة إلى ضعف الدعم الاجتماعي بالتعليم العالي، حيث تقلصت نسبة عدد الممنوحين من مجموع الطلبة، من 46.15 % في الموسم الجامعي 1999 / 2000 إلى 37.42 % في الموسم 2003/2004.

ثامنا: إن الأمثلة التي ذكرت، ما هي إلا غيض من فيض، ولائحة الإخفاقات طويلة، من عناوينها بطالة الخريجين حيث يوجد أكثر من مئة ألف خريج من التعليم العالي يجترون يأسهم في مقاهي أحيائهم أو يتظاهرون في شوارع العاصمة، وضعف المردودية العامة في جميع قطاعات التعليم، حيث يكفي أن نشير على سبيل المثال، إلى أن نسبة الحاصلين على المعدل من المنتقلين إلى الجـذع المشترك في بعض الجهات لا تتجاوز 26 %.

تاسعا: أما الدخول المدرسي خلال الموسم الدراسي الحالي، فيعتبر أم الكوارث. ومن غريب مفارقاته، الخصاص الكبير للأطر التربوية في بعض الجهات مقابل تضخمها في جهات أخرى نتيجة سوء توزيعها، وكذا النقص الكبير الذي خلفته المغادرة الطوعية. فكيف إذن يمكن تبرير هذا الخصاص مقابل تعطيل العديد من المراكز العليا لتكوين الأطر كمركز تكوين مفتشي التعليم، وتوقيف الولوج بمراكز تكوين الأساتذة، وبطالة العديد من النواب الإقليميين الذين تم إعفاؤهم من مهامهم دون أن يلتحقوا بأطرهم الأصلية؟ ونتيجة لهذه المفارقات، لم تجد الوزارة بدا من العبث بمصير المتعلمين من خلال العديد من الإجراءات، كإسناد المواد الدراسية لغير ذوي الاختصاص بحجة المواد المتقاربة، حيث يمكن لمدرس الرياضيات أن يدرس الفيزياء وعلوم الحياة والأرض والترجمة، ويمكن لأستاذ اللغة العربية أن يدرس الاجتماعيات والتربية الإسلامية والفلسفة!

سؤال:

ماذا عن وضعية البحث العلمي بالمغرب؟

جواب:

أول ما يلاحظ في هذا الإطار، هو الاضطراب الواضح في الهيكلة وإصدار القوانين الخاصة بالبحث العلمي، ذلك أن مرسوم القانون المحدد لمهام وهيكلة كتابة الدولة في البحث العلمي، لم يصدر إلا في يوليوز 2002، ليتم بعد ذلك الاستغناء عنها، ليلتحق قطاع البحث العلمي بوزارة التربية الوطنية، ثم هناك عدم القدرة على تمييز الموارد البشرية العاملة فعلا في ميدان البحث العلمي، ذلك أن عددا هائلا من الأساتذة الباحثين والمهندسين، وتقنيي المختبرات بالمغرب، والذين يتم دائما إحصاؤهم في التقارير الرسمية، لا ينجزون أي بحث علمي،أضف إلى ذلك، اضطراب السياسة المالية لميدان البحث العلمي وعدم القدرة على التقويم الذاتي لمنظومة البحث العلمي والتقني بالمغرب، إذ يتم إبرام اتفاقيات مع المجموعة الأوروبية من أجل هذا الغرض. هذا فضلا عن استمرار العجز في إنجاز العديد من المشاريع المبرمجة في إطار المخطط الخماسي 2000/2004.

ثم إنني لست أدري كيف يمكن الحديث عن البحث العلمي، في بلد يعجز عن استيعاب الطاقات والكفاءات التي لا تجد ملاذا غير هجرتها للدول التي تقدر الكفاءات ؟ كما أن روافد البحث العلمي كلها متصدعة، يشهد عليها واقع ثانويات التعليم التقني، هذا فضلا عن عدم ملاءمة واقع البحث العلمي بالمغرب مع الحاجيات الاجتماعية والاقتصادية.

سؤال:

إذن في تصوركم، يبقى شعار الجودة الذي رفعته الوزارة الوصية على القطاع في السنة الماضية غير ذي جدوى؟

جواب:

من سوء حظ المغرب، أن قياس نجاعة النظم التعليمية، يتم وفق مؤشرات علمية مضبوطة من بينها مدى الكفاية الداخلية والخارجية. ولو كان هذا التقويم يتم بالنظر إلى عدد الشعارات، لتصدر المغرب لائحة الدول المتطورة. أما وإن الأمر يتعلق بالمردودية، فإن بلدنا في مؤخرة القائمة طبقا لمؤشرات التنمية البشرية، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

والذي يحز في النفس أن مردودية نظامنا التعليمي لا تتناسب مع ارتفاع نسبة الإنفاق العام على التعليم، حيث بلغت 5.1 % من الناتج المحلي الإجمالي حسب تقرير التنمية البشرية لسنة 2004.

وقد ارتفعت هذه النسبة من الإنفاق لتصل 6.6 % برسم ميزانية 2005 أي حوالي 25.6 % من الميزانية العامة للدولة، في الوقت الذي لا يتعدى الإنفاق على التعليم في مصر 14% والأردن 17% وتونس 18%.

والمحصلة النهائية لهذا الإنفاق هي الإخفاق على جميع المستويات. ومن أجل تسويق مزيد من الوهم، تم رفع شعار جديد هذه السنة “جميعا من أجل إنجاح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”! كبر مقتا عند الله أن يقولوا ما لا يفعلون!

سؤال:

رغم كل ما ذكرتم، فإن المطلع العادي على الوثائق التي تصدرها الوزارة الوصية على القطاع، يحدث لديه الانطباع بأن أجرأة الميثاق تسير بوتيرة متسارعة. ما تعليقكم؟

جواب:

هناك فرق كبير بين ما يصدر في الوثائق الرسمية وبين ما يجري في الواقع، ولعل التقرير الأخير للجنة الخاصة بالتربية والتكوين، يعكس فداحة الوضع التعليمي. وحتى لو افترضنا أن أجرأة الميثاق تسير بسرعة كبيرة، فإن المغرب قد فقد الاتجاه الصحيح، والسرعة لا تفيد إلا إذا كانت الوجهة صحيحة، فماذا تفيدك سرعتك حين تريد الوصول إلى الغرب في حين أنك تتجه نحو الشرق؟

إن البوصلة التي تحدد الاتجاه، هي الفلسفة التربوية التي تمثل قيم المجتمع وثوابته الحضارية، وليس “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” الذي لا يمثل الفلسفة التربوية للمغاربة لكونه يفتقد عنصر الأصالة، حيث يعكس منطق السوق على حساب الاعتبارات الدينية واللغوية. وحتى لو افترضنا أن أجرأة الميثاق، نجحت وفق منطق السوق في تخريج أفواج من العلماء المدربين والتقنيين المهرة- وهذا مستحيل وفق المعطيات الحالية- لكنهم في الوقت نفسه ممسوخو الهوية، عديمو الدين والخلق، قليلو الإيمان بالله واليوم الآخر، فتلك خسارة فادحة. قال تعالى “ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون”. فماذا يستفيد المتعلم المغربي حتى لو ربح العالم كله، لكنه في نهاية المطاف خسر نفسه؟

سؤال:

هناك اتجاه واضح نحو خوصصة التعليم بالمغرب. ما هو تعليقكم؟

جواب:

بالفعل، فقد صدر القانون 00.06 في شأن التعليم الخصوصي لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع. وأيّا كانت الاعتبارات، فإن المشكل لا يكمن في تشجيع التعليم الخصوصي، لأنه قطاع يتحمل فيه الآباء جزءا من عبء التربية والتعليم عن الدولة. ولكن ما لا ينبغي قبوله بحال، أن يتقوى هذا القطاع على حساب جودة التربية والتعليم في القطاع العمومي. فنحن إذن نريد أن يكون تعليمنا العمومي جيدا وقويا وفق معايير ومؤشرات مضبوطة للجودة، كما نريد أن يكون تعليمنا الخصوصي كذلك، لكن وفق دفتر للتحملات، مضبوط وشفاف، يضمن التزام هذا القطاع بالفلسفة التربوية التي يختارها الشعب، وبالاختيارات التربوية والبرامج والمناهج التي يتم إقرارها في القطاع العمومي، كما يؤمن حماية الآباء والأولياء من أي تدليس أو دعاية رخيصة لمؤسسة تخل بالتزاماتها، وحماية أبنائهم من مناهج دراسية تمسخ الدين، وتفسد الأخلاق، وتطمس الهوية.

سؤال:

ألا تعتقدون، وبغض النظر عن الأسباب السياسية والاقتصادية، أن جزءا من المسؤولية في أزمة التعليم، يقع على الفاعلين بالحقل التعليمي من أساتذة ومديرين وطلبة وإدارة؟

جواب:

لقد أشرت سابقا أن المشكل الأساس، يكمن في السياسة المخزنية التي قادت البلاد في جميع القطاعات نحو الهاوية. وهي نموذج للحكم الجبري الذي مازالت فيه بقية من حياة. وتحكم المخزن في السياسة التعليمية كما في باقي القطاعات، كان واضحا. لكنني لم أقصد مطلقا أن أعفي الفاعلين في القطاع التربوي من مسؤوليتهم في تردي الأوضاع. ويكفي أن أشير إلى أن مجموع أيام الغياب غير القانوني لرجال ونساء التعليم في الأسبوع الواحد، يتجاوز في بعض النيابات، سبعمائة يوم! إذن فالمسؤولية مشتركة، غير أنك إن حاولت تنظيف مجرى الماء وكان المنبع فاسدا، فلن تجدي محاولتك نفعا، لأن من سنن الله في الكون ترتيب المعلولات على العلة، وعلتنا الأساسية، فساد الحكم.

سؤال:

في رأيكم ما هي أهم سمات المقاربة التي تقترحونها لإصلاح التعليم؟

جواب:

إن المداخل الأساسية للإصلاح مداخل سياسية، لذلك لابد من توفر إرادة سياسية حقيقية للتغيير. وهذا أمر حسمته سنة الله انطلاقا من الآية الكريمة “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. قوام هذه الإرادة السياسية وعمادها، مشروع مجتمعي يعكس خصوصيات الشعب المغربي وطموحاته، يشترك في صياغته الجميع، ويكون إصلاح التعليم أحد مكوناته. ثم بعد هذا يحق لنا أن نتحدث عن ميثاق حقيقي للتربية والتعليم يروم إصلاحا شاملا للإنسان والواقع، تكون من مواصفاته: الربانية والهدفية والشمولية والتدرج والواقعية والإجرائية.

سؤال:

هل الأمر يرتبط فقط بمقاربة، أم ينبغي التجديد على مستوى مضمون التعليم؟

جواب:

إن الأساس الذي نقترحه لمنهاجنا التعليمي هو الغاية الإحسانية بمعنييها الأخروي والدنيوي. فلابد أن تعكس سياستنا التعليمية، انتماء هذه الأمة لدينها، وأن تحقق التواصل الاجتماعي الأخوي. سياسة تجعلنا قادرين على منافسة غيرنا في تحقيق التنمية واكتساب القوة والمنعة، دون أن نفصل هذا المسعى الدنيوي عن مصيرنا الأخروي.

أما مضمون التعليم، فمهمته الأساسية هي غرس الإيمان والولاء لله في قلوب النشء. وبعد هذا ومعه يأتي التدريب والتعليم واكتشاف المواهب وتطوير الكفايات. إنه مضمون تربوي تعليمي لا يتعارض فيه داعي الإيمان بالغيب وداعي العقلانية والنقد العلمي. إنه تعليم يخدم قضية الإنسان الكبرى، وهي مصيره بعد الموت، وفي نفس الوقت يحقق التنمية من خلال تدريب عملي يقتنص الحكمة أنى وجدها.

سؤال:

هل يمكن أن تلخصوا لنا رسالة رجل التعليم في نقاط محددة؟

جواب:

رجـل التعليم هو واسطة العقد في المنظومة التربوية، فهو القدوة التي يجب أن يتشرب منها النشء. لذلك فوظيفتـه تقتضي أن يتوفر فيه شرطان مستخلصان من قوله تعالى على لسان ابنـة شعيـب عليه السلام” إن خير من استأجرت القوي الأمين”، وهما القوة وما يندرج تحتها من قدرات علمية وعملية، والأمانة وما يتفرع عنها من مكارم الأخلاق والسلوك. وقد لخص الماوردي هاتين الصفتين حين تحدث عمن يتقلد إحدى المهام بقوله “هو من استقل بكفايته ووثق بأمانتـه”، وقد تتفرع عن هاتين الصفتين كفايات متعددة أوصلتها بعض الدراسات إلى خمسمائة كفاية، وهذا يؤكد ثقل مسؤولية رجل التعليم وشرف رسالته.

سؤال:

بم تنصحون التلميذ والطالب في وقت كثر فيه العزوف عن طلب العلم؟

جواب:

رغم التيئيس الذي يحاول البعض أن يبثه في أطفالنا وشبابنا، وبصرف النظر عن فداحة الوضع التعليمي ببلادنا، فإن نصيحتي لكل تلميذ وطالب، أن يوقن أن بعد الشدة فرجا، وأن مع العسر يسرا، وأن الله عز وجل وعد المؤمنين بالتمكين في الأرض، وأن الخلافة الثانية على منهاج النبوة قادمة لا محالة، كما وعد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن سنة الله رتبت النتائج على المقدمات، فكن أنت أخي التلميذ مقدمة النصر، بإيمانك وخلقك وجدك واجتهادك وعزمك وصبرك. فالأرض التي نرجو خيرها، أنت سمادها. والنصر الذي نرنو إليه، أنت عدته. ولا تيأس ولا تحزن، فقد آذن صبح الأزمة بالبلج!