إن كان لمصر في المشرق حبيبها العادلي الذي أقام دولة للداخلية، بشرطتها ومباحث أمنها وأجهزتها المختلفة، نكلت بأبناء الشعب المصري وأذاقتهم سوء العذاب حتى أصبحت دولة داخل الدولة، إلى أن جاءت الثورة المصرية المجيدة فأطاحت بهذا الجهاز القمعي، وفضحت ممارساته وأساليبه المنهجية لقهر وتصفية المعارضين السياسيين وقوى الشعب الحية، ونجحت أن توقف هذا الطاغوت على صراط المساءلة والمحاسبة ليلقى جزاء ما قدمت يداه من بطش وتعذيب في حق الشعب، فإن للمغرب أيضا “مفخرته” في مضمار كبت الحريات وقمع المعارضات، إنه “حبيب” المغرب الشرقاوي الذي، وإن اختلفت الأشكال والأساليب، يلجأ جهازه في أغلب الأحيان، إن لم أقل كلها، لاستخدام أساليب العنف والقسوة في تعامله مع المواقف والآراء المخالفة لاختيارات المخزن، ولا يتوانى في تتبع خطوات وإحصاء أنفاس ناشطي العدل والإحسان أو منتسبي اليسار الناشط خارج المؤسسات أو بعض الأفراد من ذوي المواقف المشرفة.
وقد بلغ “الواجب الوطني” بداخليتنا إلى أن تُعمل “الخطة القذافية” – زنكة زنكة – دار دار – في محاصرة جماعة العدل والإحسان بخاصة، فلجأ “أحبابنا” بموجبها إلى تشميع البيوت ومنع مجالس النصيحة وحظر جمعيات مناضليها أو من أبدوا مجرد تعاطف معها أو مواساة لها في محنتها، وبكلمة يشمل حصارها الفن والثقافة والسياسة والعمل الاجتماعي… وقد كان آخر “إنجازات” “الحبيب” الشرقاوي تسليط أجهزته القمعية يوم 13 مارس 2011، ثلاثة أيام بعد خطاب الملك يوم 9 مارس 2011 الذي أريد له أن يكون تاريخيا، على متظاهري 20 فبراير بكل من مدن الدار البيضاء والجديدة وخريبكة وبركان وتنجداد وسيدي حجاج وسيدي سليمان، تدخل القمع بشكل هستيري ضد متظاهرين مسالمين وعزلٍ إلا من إيمانهم بعدالة قضيتهم وحقهم في التعبير عن مواقفهم وقناعاتهم. وقد أسفر هذا التدخل عن جرحى ومصابين ومعتقلين سرحوا بعد تهديد المتظاهرين باعتصام مفتوح حتى إطلاق سراحهم، ليبدو جليا أن محاولا ت المخزن التطبع بمَلَكَة الاستماع لمطالب شباب 20 فبراير قد غلبها طبع الاستبداد وعدم إشراك الشعب في بناء مستقبله.
… ذلكم غيض من فيض تجاوزات كثيرة شكلت دافعا لخروج الشباب المغربي الأبي يوم 20 فبراير في احتجاجات عمت أغلب مدن وطننا، مطالبين بالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية وبإرساء ديمقراطية حقيقية تقطع مع زيف الانتقال الديمقراطي وشعارات الإنصاف والمصالحة التي جُعلت غطاء لانتهاكات جديدة، وما زالت مطالب الشباب تنتظر الاستجابة الحقيقية بعيدا عن كل أشكال الوصاية والحجر ومحاولات الالتفاف. ومن أولويات التغيير الناجع هو لجم التصرفات الرعناء لأجهزة الداخلية التي ما تزال يدها طولى في إرهاب الشعب وقمع فعالياته. ولْتَعْتَبِرْ بمصير مثيلاتها في تونس ومصر قبل فوات الأوان، وما آلت إليه من تغيير وإخضاع تدريجي للمراقبة الشعبية وقد كانت إلى وقت قريب دولة داخل الدولة لها قياداتها ودستورها وتصورها لحكم المغاربة.