غريق أنا في وادي الفتن أستنجد وأستغيث بلسان حالي: أنقذني يا مؤمن!
وحامل بذلة “المنقذ” البرتقالية يعزف أنشودة الإفلات من موت محتوم لقلبي!
يصف لي ما ينبغي أن أكون عليه فقط، “يشوقني” إلى زمن العدل والشورى والإحسان الخالد!
إنها آفة من آفات الدعوة غير المنهجة، تبليغ دون تأليف وتحبب..
من ضحاياها شباب منكفئ عن ذاته، إنهم صادقون، لكنهم يحتكرون “هداية” منقوصة! لم تجد من يرعاها ويرتقي بها في مدارج الدين على خطى معلمنا الأول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
هداية لم تجد من يربيها على كيفيات صبر النفس مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، ومن يدلها على طلب الفوز بالله بإلحاح كما طلبه المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، ويطلبه العارفون بالله المجاهدون في سبيله.
سبحان الله! آية “الاهتداء المفاجئ” لكثير من المؤمنين والمؤمنات جعلها الله لنا لنعلم أنه الهادي سبحانه يهدي من يشاء متى شاء وكيف يشاء سبحانه. من الناس من دخل الإسلام بعد سماعه الأذان أو تلاوة القرآن.. ومنهم من فاجأته يقظة قلبية اعتبرها حياته الحقيقية وولادته الجديدة.. تبقى هذه “استثناءات “يختص الله بها من يشاء من عباده. لكنها لا تنفي قاعدة “الاهتداء المتدرج” إسلاما وإيمانا وإحسانا. إنه المنهاج النبوي في تربية جيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان (في الأفعال الحسنة) إلى يوم الدين كلما تجددت شروط التربية.
يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله:
“الهداية هدايات: كافر يدخل الإسلام مهتديا، ومسلم يخطو نحو الإيمان مقتفيا، ومؤمن يرتقي صحبتك مرتديا حلل القرب من الله عز وجل. ذلك الفوز الكبير..” 1
كن شحيحا بوقتك، لا تنتظر من غارق في وهم استعلائه العلمي، أو معجب بخطبه الملتهبة وحماسه الرخيص، أن يرعى هداية شبيبة حيرانة وسط أمواج الفتنة. إنهم فتية يبحثون عمن يعلمهم دينهم، ظِماء لمن يدلهم على طرائق تجديد إيمانهم بالله واليوم الآخر.
“الدعوةُ وسيلتُها التربيةُ، وسيلتُها التذكيرُ، وسيلتُها الإنذارُ، وسيلتُها التبشيرُ، وسيلتها الوعظُ، وسيلتُها التعليمُ، وسيلتُها الإقناعُ، وسيلتُها التي هي أحسنُ.” 2
الدعوة إلى الله البانية المربية لا يقوم بها من يقول كلمته ويمشي فقط بل من يأخذ بيد وليدها، يساعده على تعلم دينه والرجوع إلى ربه واقتحام عقباته النفسية والاجتماعية، خطوة خطوة، يوما بعد يوم، بتلطف ورفق وتفقد وملازمة وتأليف وكل مفردات الاصطحاب وما تحمله من معاني محبة ونصرة المؤمنين والمؤمنات المتواصين بالمرحمة والحق والصبر.
من كان منطلق مسيرته الإيمانية موفقا تفتح له سبل العلم النافع والعمل الصالح بمنهاج نبوي جامع بين السلوك إلى الله للفوز بالله عز وجل، والسلوك في الناس عامة والمؤمنين الصادقين خاصة، بالتعاون معهم على تجديد إقامة الدين.
يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله: “ما أعطف وأنبل وأحب إلى رب العالمين أن تنحني على مهد وليد الدعوة وتغذوه بمحبتك وصحبتك، ثم تتابع خطواته وهو يصحو من غفلة طفولة مروءته، ويتقوى من وهن خوفه من غير الله، ويبتهج قلبه باكتشاف حلاوة الإيمان النابعة من ذكر الله، ويستجمع نشاطه لينخرط مع الصادقين في الله ويتحرر من شح نفسه فيبذل الغالي لنصرة دين الله، ويلتمس عندك وعند أهل الذكر علم ما فرضه الله عليه، ويترزن بتؤدة الصابرين على أمر الله ويقتصد من وسائل هذه الدنيا، فاعلا فيها مؤثرا إيجابيا في كل ميدان خير ما يبلغه قصده في الله، ويجاهد بكل ما أوتي من قوة وحكمة وشجاعة في سبيل الله.” 3
فصل إلهي على المصطفى * بحُبِّهِ نال الفتى أَمَلَهْ 4