الدنيا لتجوزها لا لتحوزها

Cover Image for الدنيا لتجوزها لا لتحوزها
نشر بتاريخ

يا هذا! إنما خلقت الدنيا لتجوزها لا لتحوزها، ولتعبرها لا لتعمرها، فاقتل هواك الميّال إليها، واقبل نُصْحي، لا تعوِّل عليها.

لورقة بن نوفل:

لا شيء فيما ترى تبقى بشاشته ** يبقى الإله ويفنى المال والولد

لم تُغْنِ عن هُرْمُزَ يوما خزائِنُه ** والخُلْدَ قد حاولت عادٌ فما خلدوا

ولا سليمان إذ تجري الرياح له ** والإنس والجن فيما بينها ترد

أين الملوك التي كانت نوافلها ** من كل أَوْبٍ إليها وافد يفد؟

حوض هنالك مورود بلا كذب ** لابدّ من وِرْدِه يوما كما وَرَدُوا

الدنيا مزرعة النوائب، ومشرعة المصائب، ومفرقة المجامع، ومجرية المدامع. كم سلبت أقواما أقوى ما كانوا! وبانت أحلى ما كانت أحلاما فبانوا! ففكِّرْ في أهل القصور والممالك كيف مُزِّقوا بكف المهالك، ثُمَّ عُدْ بالنظر في حالك لعله يتجلى القلب الحَالِك، إن لذّاتِ الدنيا لَفَوَارِك، وإن موج بلائها لمتدارك. كم حجّ كعبتها قاصد فقتلته قبل المناسك! كم علا ذروتها مغرور، فإذا به تحت السّنابك! كم غَرَّت غِرًّا فما استقر حتى صِيدَ باشك! خَلِّها واطلبْ خلّة ذات سُرُور وسُرُر وأرائك. تالله ما طيب العيش إلا هنالك.

الجنة ترضى منك بالزهد، والنار تندفع عنك بترك الذنب، والمحبة لا تقع إلا بالروح.

تملّوا واحتكموا ** وصار قلبي لهم

تصرّفوا في ملكهـم ** فلا يُقال ظلموا

إن وصلوا مُحبـهم ** أو قطعوا لهم هم

يا أرض سلع اخْبُـرِي ** وحـدثيني عنهم

تبكيهم أرض منى ** وتشتكيهــم زمزم

ما ضرّهم حين سَــرَوْا ** لو وقفوا فسلَّمُــوا

أبدان المحبين عندكم، وقلوبهم عند الحبيب.

للمهيار:

وبجرعاء الحِمَى قلبي، فعُجْ ** بالحمى واقرأ على قلبي السلاما

وتَرَجَّلْ وتحدث عجبا ** أن قلبا سار عن جسم أقاما

قل لجيران الغضا: آه على ** طيب عيش بالغضا لو كان داما

حَمِّلُوا ريحَ الصَّبَا نَشْرَكُمْ ** قبل أن تحمل شيحا وثُمَاما

وابعثوا لي بالكَرَى طيفكم ** إن أذنتم لعيوني أن تناما

بلغت بالقوم المحبة إلى استحلاء البلى، فوجدوا في التعذيب عذوبة لعلمهم أنه مراد الحبيب.

ضَنِيَ سويد بن مثعبة رحمه الله على فراشه، فكان يقول: والله ما أحب أن الله نقصني منه قلامة ظفر.

تعجبوا من تمني القلب مؤلمه ** وما دروا أنه خلو من الألم

أمر الحَجَّاج بصلب ماهان العابد رحمه الله، فرُفِعَ على خشبة وهو يسبّح ويهلل ويعقد بيده حتى بلغ تسعا وعشرين، فبقي شهرا بعد موته ويده على ذلك العقد مضمومة.

لَتُحْشَرَنَّ عظامي بعدما بَلِيَتْ ** يوم الحساب وفيها حبّكم علق

مَرُّوا على مجذوم قد مزقه الجذام فقالوا له: لو تداويت، فقال: لو قطعني إربا إربا ما ازددت له إلا حبا:

إن كان جيران الغضَى ** رضوا بقتلي فرضــا

والله لا كنــت لمـا ** يهوى الحبيب مبـغضـا

صرت لهم عبدا ومــا ** للعبــد أن يعترضا

هُمْ قَلبـوا قلبي مــن ** الشوق على جمر الغضا

يا ليت أيام الحمــى ** يعود منها ما مضـــى

من لمريـض لا يـرى ** إلا الطبـيب الممـرضا

كان الشبلي رحمه الله يقول: أَحَبَّكَ الناس لنعمائك، وأنا أُحِبُّكَ لبلائك.

يا منية القلب ما جِيدِي بمنعطف ** إلى سواكم ولا حَبْلِي بمنقاد

لولا المحبة ما استعملت بَارقة ** ولا سألت حمام الدَّوْحِ إسعادي

ولا وقفت على الوادي أسائله ** بالدمع حتى رَثَى لي ساكن الواد