الشباب والهوية الإسلامية

Cover Image for الشباب والهوية الإسلامية
نشر بتاريخ

عرف مفهوم الهوية انتشارا واسعا في الأوساط المعرفية المختلفة بحيث تناول العديد من المفكرين والعلماء هذا المفهوم كل من زاوية نظره وغايات دراسته. فتعددت الهويات وتنوعت وأصبح البعض يتحدث عن الهوية الثقافية والآخر عن الهوية المجالية وغيرهم عن الهوية الدينية إذ لكل فرد شخصيته المميزة له، ومعتقداته، وعاداته السلوكية، واتجاهاته وثقافته، لكن تبقى الهوية الإسلامية في أوسع دلالاتها ومعانيها تلك التي تتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة السوية، باعتبارها تجسيدا للإرادة الإلهية التي تنطلق من خصيصة التوحيد لتشع بأبعادها القيمية إلى نشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها شروط تحقق الخيرية لأي أمة راشدة فاعلة وقائدة في الركب الحضاري. قال الله تعالى وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (آل عمران: 104).

ومع تنوع الهويات واختلاف مشارب دارسيها وتعدد مداخلها أصبحنا نلاحظ نوعا من عدم الاكتراث بقضية الهوية، رغم أنها تعتبر تلك البوصلة الموجهة لكل فرد وجماعة وأمة خصوصا بين صفوف فئة الشباب، فكان لابد من الوقوف عند بعض أسبابها ومظاهرها خصوصا مع تنامي فكر اللامعنى وتسرب الانحرافات الفكرية إلى ثقافة تلك الفئة الشابة الفاعلة في كل المجتمعات.

أسباب ومظاهر ضياع الهوية عند الشباب

اختل ميزان الهوية عند الفئة العظمى من الشباب؛ فانقلبت من هوية سليمة تحكمها فطرة سليمة إلى هوية ضائعة مخضرمة تحكمها مجموعة من المداخل الغريبة عن تلك الفطرة السليمة، الأمر الذي أنتج مجموعة من المظاهر السلبية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن هناك مجموعة من الاختلالات أسهمت بشكل من الأشكال في اختلال ميزان الهوية عند الشباب.

– انجراف معظم الشباب خلف الأفكار الوافدة والهدامة منها على وجه الخصوص دون معرفة عواقب ذلك.

– الهجرة إلى الخارج والتفاعل مع العالم الآخر دون مراعاة المبادئ والأصول الضابطة للهوية الأصيلة للأفراد. 

– إحكام السيطرة من طرف الأجهزة الذكية وتضييع الأوقات في التفاهات وبالتالي إضعاف العقل المسلم وإبعاده عن دائرة الفكر والنظر.  

– التقليد الأعمى للغرب في المظهر والمأكل والمشرب بل وحتى في طرق تدبير الحياة اليومية.

– التيه في سراديب الحياة المعاصرة والتخبط في ظلمة خباياها جريا وراء سراب الهويات المتقدمة.

– التنكر للمبادئ الإسلامية البانية للهوية السليمة والاختباء وراء الشعارات البراقة الزائفة.

بعض وسائل بناء الهوية السليمة عند الشباب

1- العودة إلى معين الوحي الأصيل

إذا أمعنا النظر في المجتمعات السابقة لدعوة الإسلام فإننا سنجد انتشار الظلم والجهل وانهيار منظومة القيم والأخلاق والركون إلى تلبية شهوات النفس وأهوائها. لكن مع مجيء الإسلام تكفل الوحي بإعادة انتشال الوجود الإنساني من براثين الظلم والرقي به إلى أعلى مدارج الإحسان المادي والمعنوي، بحيث أعاد توجيه بوصلة الفكر نحو الخالق والتحرر من كل أغلال العبودية المكبلة لحركته نحو الاستخلاف الحقيقي. فكانت الأخلاق السامية المؤطرة لكل وجود وانتماء بشري من المداخل الرئيسة لإعادة بناء هوية ثابتة ورصينة تتجه بالفرد نحو تحقيق الخلافة عن الله. قال تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (القلم: 4)، فلابد إذن من عودة الإنسان الضال التائه إلى الفطرة السليمة التي تتمحور حولها الهوية الإسلامية.

2- تعزيز علاقة الشباب بالمسجد، والعيش في ظلاله

يلعب المسجد دورا محوريا في تربية شباب هذه الأمة، ففيه يتربى الفرد وتتبلور شخصيته وتتوجه هويته نحو الغاية العظمى وهي العبودية الخالصة لله رب العالمين. فالمسجد هو ذلك المحضن الذي فيه يتحقق الاستقرار النفسي ويحصل الأمن الروحي ومن خلاله يتبلور العمل الاجتماعي، لذلك نجده يقدم للشباب ما لا تستطيع العديد من المؤسسات الأخرى أن تقدمه لهم، ففي أجوائه الربانية تربى العديد من الصحابة الذين أصبحوا نماذج للشباب الصالح الفاعل فعلا إيجابيا في المجتمعات؛ كالصحابي أسامة بن زيد رضي الله عنه، وغيره من شباب المسلمين..

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “ودروس المسجد تكمل الدروس المنظمة في أسر الجماعة وفي مدارس الدولة، وتسد الثغرات، وتفي بحاجة العامة الذين لم ينتظموا في صفوف الدعوة، وفاتهم دخول مدارس الدولة. ومن فوائد هذه الدروس المسجدية أنها تستقطب السواد الأعظم إلى حضن الجماعة تدريجيا. فيحضر المصلي درسا يستهويه ليحضر دروسا فلا يمضي وقت حتى يجد نفسه ألف المسجد، ولقف من العلم، ومن الكلام الطيب، والموعظة الحسنة، ما يحبب إليه الإيمان وأهل الإيمان” 1.

فالهدف الأسمى للمسجد هو ترسيخ القيم الأخلاقية (كالصبر والإخلاص والصدق)، وتعليم الأمور الدينية (كالقرآن والصلاة والصوم والزكاة)، وتفعيل المعاملات الحسنة (كالتعاون والتكافل والاحترام)، وكل ما من شأنه تقوية الهوية الإسلامية.

3- ربط الشباب بالقرآن الكريم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ” 2.

فقراءة القرآن والمداومة على تلاوته هي الغاية العظمى التي تتطلع إليها أنفس المؤمنين. فالقرآن هو الذي يصلح شأن الشباب، وينقذهم من الغفلة، ومنه يتعلمون التمييز بين الحلال والحرام والانصياع للأوامر والابتعاد عن النواهي.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “فتوبتنا إلى الرحمان، وتسميتنا لدولة القرآن، لا يصحان لنا إلا بهدي القرآن، علوم القرآن. منه ننطلق، وإليه ننتهي. به تطب القلوب، وبه تهذب الأخلاق، وفي مدرسته تطبع كل العلوم لتأخذ صبغة الله، وتجند لخدمة دين الله. الحق الذي جاء به القرآن هو معيار كل القيم، به نعرف نسبة الإنسان للإنسان، ونسبة الإنسان للكون، ونسبة الدنيا للآخرة، ونسبة الحق للباطل” 3.

فليحرص شبابنا على المداومة على قراءة القرآن، وحفظه، والحرص على مدارسته في مجالس العلم والإيمان.

4- استثمار الوقت بالمفيد النافع

تقع مرحلة الشباب بين مرحلة الطفولة ومرحلة الكهولة، فهذه المرحلة يتم فيها تحديد مستقبل الفرد. ومرحلة الشباب هي أول ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من الفرص الخمس التي يجب أن يحسن الإنسان استغلالها، حيث قال عبد الله بن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعظه: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ” 4.

فمرحلة الشباب ثروة للإنسان، يجب استثمارها لكي تتقوى النفوس وتطمئن وتتقدم الأوطان وتزدهر بفعل هذا الشباب الصالح. لذلك يجب أن يتجه اهتمام الآباء والمؤسسات والمساجد وكل الفاعلين في المجتمعات نحو إعداد جيل من الشباب منذ الطفولة على حسن استغلال الوقت والصحة لما فيه خير البشرية جمعاء.


[1] عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 2009م، ص 176.
[2] صحيح مسلم، 804.
[3] نفسه،  ص 158.
[4] أخرجه ابن أبي الدنيا في ((قصر الأمل)) (111)، والحاكم (7846)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (10248)