عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أهل الجنة شباب جرد، مرد كحل، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم” 1. وقال صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله” رواه البخاري.
والشباب هو القوة وهو مستقبل الأمة، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشباب خيرا، فللشباب الحق في الترفيه والترويح عن النفس وتفريغ الطاقة الجسمية والنفسية، ولنا في السنة النبوية مجالات لتكوين الشخصية القوية الفولاذية عن طريق الترفيه الموجه.
أمرنا الله سبحانه وتعالى بإعداد القوة، والقوة إعداد وتربية وإيمان، وتدريب عقول وترويض جسوم، واكتساب مهارات وصقل خبرات وتنظيم متخصص. القوة تربية قبل كل شيء، ولا قومة بلا تربية “الخطر المحيق هو قلة التربية، وضحالة التعليم والانخراط في الثقافة العالمية الماجنة الجاهلية” 2.
ولإنقاذ الشباب من هذه الثقافة الماجنة والفن الخليع المستورد، والهواتف الذكية التي سرقت منهم عقولهم وذكاءهم ووقتهم، وحتى لا يكون استيراد هذه الأجهزة الإليكترونية والتكنولوجيا فخا منصوبا لاصطياد أموالنا ومصادرة مستقبل أمتنا، لابد من ترشيد الشباب وتوجيههم لاستثمار أوقات الفراغ فيما يعود عليهم بالنفع صحيا وجسديا ونفسيا وتربويا وتعليميا، وعلى الأمة بالخير كحسن استغلال الوسائل الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي في الانفتاح الإيجابي على الآخر والتوعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعريف بقضايا الأمة.
قال جل شأنه: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم 3. وإذا كانت القوة تغذى وتكتسب، فإن للمرأة وللأم خاصة اليد الطولى في غرسها في نفوس الأبناء “رباط الخيل إعداد ومدة وجهد، تغرسين وتسقين وتتعهدين، فإذا نضجت الثمرة فأدنى حركة يجعلها تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي يا مريم الدعوة واشربي وقري عينا” 4.
إن عملية البناء عملية شاقة، بناء من أساس وعلى أساس، الأم هي الأس ومنها البناء، ثم إنها “عملية ميدانية، عملية متابعة الماء من النبع لكي لا يتكدر، عملية تعهد النفوس والجسوم” 5. كما أنها عملية تعهد العقول وتغذيتها بالعلم النافع المنتج للعمل، وبالبحث العلمي المخترع الصانع.
في ريعان الشباب يجب تعليم الأجيال الفروسية وركوب الخيل “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل….”، والرباط هو الترقب والأهبة لكل طارئ في مواجهة العدو، وأجر من رابط لا ينقطع إلى يوم القيامة، ويقترن ذكر الرباط بذكر وسائله، فليكن رباط الخيل ونتاجها، وتربيتها، ومهرجاناتها، وزينتها، وشياتها، لعبة المجاهدين تحت دولة القرآن” 6. والفروسية شهامة وقوة، ومجال لنشر الدعوة بما تتيحه من إدراك لقيمة التفوق في مجال الرياضات البدنية وما تكسبه من سمعة على مستوى العالم، خاصة مع اقترانها بالأخلاق العليا وبنموذجية دولة القرآن في جميع المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية.
الرماية والسباحة والمسابقة والمصارعة
“اعتدنا حضارة المتعة الجاهلية بألعاب تلهينا عن الله عز وجل، وعن أنفسنا وعن مصيرنا، ألعاب لا تفيدنا بل تهدمنا جسوما ونفوسا وعقولا، ولا يليق بأمة تريد الحياة أن تركن إلى اللعب الملهي، إنما يليق بالأمة المجاهدة أن تصطبغ حياتها في كل المجالات بصبغة القوة، والمتانة وشدة المراس” 7.
إن حاجة شباب الأمة للرجولة والاخشيشان كحاجتهم لهذا النوع من الرياضات التي تقوي العضلات وتصلب الأجسام؛ كالرمي والسباحة والمسابقة والمصارعة. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “تمعددوا واخشوشنوا فإن الحضارة لا تدوم”، أي إن المنعمين سرعان ما ينهزموا أمام خشونة أعدائهم، كما أن غياب الشباب المسلم من على منصات الانتصار الرياضية العالمية والدولية هو نتيجة تقصيرنا في حقهم.
المنتظر من الشباب المسلم أن يكونوا أسد العرين وحماة الدين وعماد الأمة. لذلك يجب أن تروض الأجسام وتدرب بالنهار على الجندية والرجولة والشهامة، وتدرب بالليل على رجولة العبادة والرحمة القلبية الإيمانية.
الشعر والموسيقى
كان للتربية بالشعر مكانة في تاريخ الإسلام، والقصص بلاغة قرآنية ومنحى أساسي من مناحي الخطاب القرآني، وعليه يقاس كل ما من شأنه أن يؤثر فيهم من قول بليغ أو خطبة فصيحة أو تشخيص أو قصص، فكان من الوسائل الضرورية للدعوة، حيث أسلمت قبيلة دوس لما سمعت قصيدة كعب بن مالك رضي الله عنه الفائية التي أنشدها لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سلك إلى الطائف بعد غزوة حنين.
أما الموسيقى ففيها اختلاف، إذ لا يقبل الشرع ميوعة الغناء غير الهادف للبناء وتطهير النفوس، في حين يبيح الترويح الذي تؤمن ريبته.
إن هجوم الإلكترونيات والأفلام والألعاب الرقمية على العالم أصبح يشكل خطرا حقيقيا مؤثرا على الصحة النفسية والعقلية والجسدية للشباب، خاصة في الدول النامية التي لا تصنع ترفيها ولا تنتج فنا هادفا، ولا حتى توجه الشباب العاطل المتسكع للإنتاج المهني والفلاحي والصناعي.
إن النشاط الترفيهي الذي لا يشحذ الطاقات ولا ينهض بالهمم ولا ينشط العقل والجسد، لن يزيد الشباب إلا خمولا وتوترا، لهذا لابد من الرجوع إلى بعض البدائل للترويح عن النفس وتخفيف الأحمال وتقوية الشخصية لدى الشباب؛ منها تكليف الشباب ببعض الأعمال التطوعية والمفيدة اجتماعيا استعدادا لتحمل المسؤولية، كالقيام بحملات توعوية ومسابقات ترفيهية وخرجات ومخيمات وغيرها.
إن التحدي المستقبلي الذي ينتظرنا بثقله الروحي والأخلاقي، هو بناء الشخصية الفاعلة في المجتمع، القائمة على مدى قدرتنا على تربية الشباب التربية القلبية الإيمانية، وتحرير قلبه من سلطان الهوى والغثائية وما ينجر إليهما من آفات، وتنوير عقله بالحكمة والعلم والفهم، وتحريره من الخرافات والجهل والتفاهات، وبعث الإرادة الجهادية في سلوكه مما يجعله قادرا على الاندماج في محيطه بفاعلية وإبداع.
يـتبع