للصيف طبيعة خاصة، ففيه العطلة السنوية والسفر، وخلاله يميل الناس أكثر إلى الاسترواح عن النفس، وفي الصيف أيضا تظهر عادات وسلوكات إيجابية وسلبية…
فكيف يكون الصيف فرصة تجمع بين الاسترواح والتخفيف من المشاق التي تلازم الإنسان طيلة السنة، وبين الجد والحفاظ على التكاليف الشرعية وترسيخ العادات التي يستفيد منها دهره كله؟
في هذا السياق تعرض بوابة العدل والإحسان سلسلة “حوارات خفيفة” حول جملة من القضايا التربوية والترفيهية والمعرفية… ارتباطا بهذه الفترة الهامة من السنة.
اليوم مع حوار حول الترفيه عن النفس في فصل الصيف مع الأستاذة بديعة سعدون.
بعد ما يقرب من عام يقضيه الناس في العمل وفي التحصيل العلمي وفي الشغل، تأتي العطلة الصيفية للتخفيف من وطأة الكد، هل هو أمر صحي أن تكون العطلة الصيفية المحطة الأساسية للترفيه عن النفس والاستجمام؟
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.
إن الشريعة الإسلامية حثت على تحقيق التوازن في كل مناحي الحياة؛ مدركة تمام الإدراك أنه وكما على الإنسان واجبات تجاه ربه وفاء للغاية الاستخلافية التعبدية التي خلق من أجلها، فله حاجيات وجب عليه العمل على تلبيتها.
فطبيعة الفطرة البشرية أنها تحتاج إلى الراحة بعد العمل والكد والاجتهاد وذلك تجديدا للطاقة وتخلصا من الضيق والتعب والخمول، فالنفوس تكل وإذا كلت عميت.
ولنا في رسولنا الحبيب أسوة حسنة فقد جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة لعب الحبشة في المسجد يوم العيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ في دِينِنَا فُسْحَةٌ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ). رواه أحمد.
فباعتبار أن الترفيه المباح أمر مشروع ذو منطلق تعبدي ومطلب أساسي لتحقيق توازن الفرد ومنه المجتمع، فلابد إذن أن لا يجعله المرء مرتبطا بفترة زمنية دون أخرى، فقد قال سلمان لأبي الدرداء: “إن لنفسك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، وإن لضيفك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، فاعط كل ذي حق حقه” فأقره النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “صدق سلمان”. رواه البخاري (1968) والترمذي (2413).
إلا أن العطلة الصيفية تبقى بالفعل فرصة سانحة وبامتياز لتحقق ذلك بحكم فساحة مدتها الزمنية وتفرغ الطلاب فيها من الواجبات الدراسية والموظفون من الالتزامات العملية.
ما هي في نظركم الأشكال المناسبة للترويح عن النفس وللاستجمام في فصل الصيف والتي تعود على صاحبها وعلى من معه ومن حوله بالنفع؟
هناك أشكال كثيرة ومتنوعة للترويح عن النفس في فصل الصيف كل حسب قدرته وخصوصيته نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الأسفار، الخروج للمنتزهات، ادخال أجواء الفرح والسرور وسط الأسرة، صلة الرحم، الحضور في المخيمات الشبابية والعائلية… الأساس أن ننضبط فيها بضوابط الشرع وأن لا تكون سببا لنا في الغفلة عن الله وفي اضطراب برنامجنا التربوي، وأن تكون شاملة ملبية لحاجيات الفرد الجسدية والنفسية والروحية وأن نجعلها وسائل وليست غايات بحد ذاتها. وأن نتجنب فيها إهدار الوقت وتضييعه حتى لا نكون من المغبونين فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعمتان مَغبون فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة والفراغ). رواه البخاري.
يتحدث كثير من الحكماء ومن أصحاب التجارب في الحياة عن فوائد السفر الجسدية والتربوية والنفسية والفكرية والاجتماعية، هل يمكنكم أن تذكرونا ببعض هذه الفوائد؟
لقد أثبتت الكثير من الدراسات العلمية أن للسفر فوائد ومزايا كثيرة سواء على المستوى الجسدي أو النفسي أو الفكري أو على مستوى العلاقات الاجتماعية مما يساهم في تعزيز قدرة الفرد على الاستمرارية في العطاء والجد والاجتهاد.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
تغرَّب عن الأوطان في طلب العلى
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تَفَرُّج همٍّ واكتسابُ معيشــة
وعلـمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجد
فالسفر فرصة للابتعاد عن الروتين اليومي، كما يمكننا من وضع مسافة بيننا وبين مشاكلنا حتى نستطيع حسن تدبيرها وحلها، وله فائدة كبيرة في تعزيز الاسترخاء والراحة بعيدا عن مسببات التوتر والضغوطات النفسية، كما يطلق العنان للإبداع وتوسيع الإدراك وإنماء القدرة المعرفية للفرد.
كما يساهم في توطيد العلاقات الأسرية، ويشكل فرصةً كذلك للاستكثار من معارف الدنيا تأسيا بما وصانا به نبينا الكريم عليه أزكى الصلاة والسلام. فعن وهب بن منبه عن طاووس عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي ابن أبي طالب: “يا علي استكثر من المعارف من المؤمنين، فكم من معرفة في الدنيا بركة في الآخرة”.