1- جميعا من أجل الخلاص
1-1 كرامة تغتصب
لقد حاول مجموعة من الفضلاء بهذا الوطن الحبيب الدفاع عن كرامة الشعب وآدميته، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، ضحوا بالغالي والنفيس فداء للوطن باعوا حياتهم ليحيى الوطن، وهم كالكبريت الأحمر لا تكاد تجد راحلة في المئة، هكذا هم في التاريخ.
ولعل هذا البلد الحبيب ليس استثناء فقد عرف ولا يزال عدة رجالات منهم من وقف ضد الاستعمار الخارجي ومنهم من وقف ضد الاستبداد الداخلي، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر المجاهد بن عبد الكريم الخطابي أسد المغرب وليس الريف وحده الذي وقف سدا منيعا في وجه الاستعمار الإسباني لأراضي الشمال المغربي، والمناضل المهدي بنبركة الذي بلغ صدى دفاعه عن حقوق المغاربة والقضية الفلسطينية العالم كله والذي لاتزال وفاته غامضة وذنبه الوحيد هو أنه تفقه زيادة عن اللزوم فبدأ ينشر الوعي الحقوقي للشعب في ثروة وطنه الطبيعية المنهوبة من قبل الأيادي الآثمة.
وقد عرف الحراك الاجتماعي الأخير خلال الربيع العربي خروج الشباب المغربي فمنهم من اعتقل وجرح ومنهم من استشهد وعلى رأسهم الشهيد كمال العماري شهيد حركة 20 فبراير، وشهيد الكرامة والأطر المعطلة المرحوم عبد الوهاب زيدون وشهيد المجازين المعطلين المرحوم خالد الوردي… فهؤلاء وغيرهم من الرجال كان همهم كرامة الشعب حيث وضعوا نصب أعينهم شعارا رفرافا تحت عنوان نموت نعتقل ويحيى الوطن) فقد ضحوا بأرواحهم فداء للوطن من أجل أن ينعم الشعب بالحياة، فموت بعزة خير من حياة في ذل، ومن حق هؤلاء على الشعب أن يستمر في المضي على نهجهم والقضية التي ناضلوا من أجلها بدمائهم الزكية وفاء لهم.
1-2 قوة الاستبداد في التشتت
فرق تسد) كان هذا المثل يتخذه الاستعمار كمنهجية عندما يحتل دولة ما، ولنا في المغرب العربي عبرة كيف كانت بين سلطها قواسم اللغة والدين والتاريخ لكن عندما دخلها الاستعمار جزءها إلى دويلات متفرقة حتى تنكسر شوكتها وتنحصر حدودها، وعلى هذا المنوال سار الاستبداد الذي يعتبر وليدا وإرثا من مخلفات الاستعمار.
هكذا يستمد الفساد قوته ويسري بحرية في جسد الأمة وذلك عندما لا يجد مناعة تصده عن هواه، خاصة وأنه اكتسب تجربة كبيرة في عملية التشتيت والاحتواء وشراء الذمم وهم وجهات لعملة واحدة، حيث أن كل من سولت له نفسه أن يغرد خارج السرب سواء كان فردا أو جماعة أو هيئة أو حزبا.. يتم طحنه وغربلته حتى لا يبقى مستعصيا.. ومن استعصى عليها يضل تحت المراقبة والضغط والمنع والحصار عسى أن يستسلم بعد أن يمل، والله لا يمل حتى تملوا.
1-3 الوطن يجمع
حسب ما يدرس في القانون العام أن الدولة تتكون من ثلاثة أركان هي الشعب والهيئة الحاكمة والإقليم، فلا أساس لدولة في غياب ركن من هذه الأركان أو أي خلل فيها. والأساسي فيها هو ركن الشعب صاحب الإرادة الذي يختار الهيئة الحاكمة المنبثقة منه، وبالتالي يجب على هذه الأخيرة أن تخدمه وتحقق مطالبه وتنفذ إرادته لا أن تتسلط عليه وتحكمه بالسيف والإكراه، فهو صاحب السيادة الحقيقية.
لكننا اليوم أصبحنا نرى هيئة حاكمة تحكم لوحدها وفق هواها وتتخذ قراراتها لنفسها في غياب تام لإرادة الشعب إن لم نقل إخضاعه لها وتغييبه، فقد صنعت هذه الهيئة لنفسها مسرحا سياسيا مؤثثا هي من تضع من يؤدي فيه الأدوار وفق مصالحها وتصوراتها وهي من تسهر على الإنتاج ووضع السيناريو والديكور والماكياج وتكتب النهاية وتسدل الستار وتقوم حتى بالتوزيع.
لقد بات على القوى الحية أن ترفع السبابة أو شارة النصر عوض التصفيق للباطل وأن تعلي الصوت مطالبة بإيقاف هذه المسرحية التي أصبح معروفا ومحفوظا بدايتها ونهايتها ومؤلفها وممثلها، وبالتالي إن كانت قوة الفساد في تشتت الشعب فإن قوة الشعب في جمع قواه من خلال اتحاد القوى الممانعة فيه على الرغم من توجهاتها الفكرية أو الجغرافية أو العرقية.. فالوطن يجمع.
2- قبل فوات الأوان
نفر من قدر الله إلى قدر الله) قولة حكيمة معروفة قالها سيدنا عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين رمز العدل في الحكم والحكمة والصواب وفصل الخطاب، الحاكم الزاهد القوام الصوام الدائم التبتل بين يدي ربه الملهَم القوي والشديد في الحق يأخذ من الغني بالعدل ليعطي للفقير. وكان السياق الذي قال فيه تلك القولة عندما خرج إلى الشام ليتفقد رعيته وقد حل بها داء الجذام فمن الصحابة من أخبره ألا يدخلوها ومنهم من اقترح الدخول ومن بينهم سيدنا أبي عبيدة الجراح عندما استقر رأي الفاروق ومن معه على العودة وعدم الدخول قال “فرارا من قدر الله”، فرد عليه أمير المؤمنين لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله.
فبزوغ صبح الكرامة والعدالة قد لاحت بشائره، والتغيير لا مفر منه بالرغم من كل المناورات والمراوغات والالتفافات التي ينهجها الفساد والاستبداد، فهم يرونه بعيدا ونحن نراه قريبا بإذن الله. لكن ما يجب أن تعيه هذه القوى الحية هو أن تلعب دور المؤطر لكل حراك، فالنسخة الأولى من الربيع العربي جاءت فجائية فشابها ما شابها من ردود فعل، لذلك يجب تجنيب أي حراك شعبي الهفوات الانفعال غير المحسوب والتأكيد على أن السلمية هي الخيار السليم والسريع لمواجهة الفساد والقضاء عليه. فالله عز وجل لا يبارك في أي فعل فيه عنف امتثالا لقول رسول الله صل الله عليه وسلم ما كان العنف في شيء إلا شانه -أي خربه- وما كان الرفق في شيء إلا زانه -أي زاده رفعة وتقديرا-. على أساس أن يكون أي حراك شعبي مثمر وليس عبارة عن جعجعة بلا طحين، ورحم الله الحكيم بن عطاء الله السكندري وهو الخبير بالتغيير الحقيقي حين قال ليس المراد من السحابة الإمطار وإنما المراد منها الإثمار).
2-1 وضع كارثي
لقد أصبحت كل الإحصائيات التي تتوافد تباعا لتقييم أوضاع المغرب في شتى المجالات (حقوق الإنسان، الصحة، الديموقراطية، التعليم، البطالة…) تؤكد بالملموس تراجعا خطيرا، وأن المغرب تجاوز السكتة القلبية وبات على مقربة من ذبحة وريدية قد تودي بحياته إن قدر الله، هذا في الوقت الذي يستمر فيه الاستبداد والفساد في تزيين وجهه من خلال مساحيق تجميل سرعان ما تكشف عوامل التعرية عن زيف شعاراتها ليظهر للعالم أن الاستثناء المغربي ما هو إلا طيف يخيم في مخيلة المفسدين ليحاولوا من خلاله تغطية الغابة التي تخفي الكثير من الأسرار التي باتت جهرا يراها الأعمى والبصير.
لقد أصبح الوضع كارثيا في هذا الوطن الحبيب لما بات الإطار يهشم والمريض يهمش والمعلم يجهل عليه والطبيب يجرح والمناضل يكمم والكاتب يسجن والقاضي يعزل والفكاهي يمنع والمنشد يحاصر.. ناهيك عن الامتيازات التي تعطى لكل من يطبل للفساد ويسعى للمجون والميوعة حيث يتم تتويجه سواء كان مغنيا أو فكاهيا أو سياسيا أو مخرجا أو ممثلا..
هكذا إذن أصبح الوضع كارثيا لما عاد الرقص على جراح الفقراء يروي عطش مصاصي الدماء خفافيش الظلام التي لا تأبه إلا لنزواتها وتحقيق رغباتها واتباع هواها.
2-2 الفرص سانحة
يبدو أن المجتمع المغربي يعيش غليانا غير مسبوق نتيجة السياسات اللاديموقراطية التي تنهجها الدولة ضده، والتي لا تعكس احتياجاته وتطلعاته بل لا تكرس سوى التفقير والتجهيل من خلال نهج معادلة الفقر مقابل الاستقرار وكأن هذا الأخير أصبح منة من الدولة على الشعب في ظل عدم توفره في البلدان العربية المجاورة، مع أن العامل الرئيسي فيه هو الشعب باعتباره صمام أمان، هذا في الوقت الذي تستفيد فيه الجهات النافذة من احتكار المشهد السياسي من خلال التحكم في القرارات الكبرى المتعلقة بالتنمية والإصلاح، مما أصبح معه الوضع قابلا للانفجار إن لم نقل أن بوادره باتت واضحة مثل: الحراك الشعبي في طنجة ضد أمانديس، احتجاجات: طلبة كليات الطب والصيدلة، الأساتذة المتدربين، إضرابات النقابات، المعطلين، موظفي الدولة والجماعات الترابية ضد سياسة التقاعد، طلبة الجامعات ضد الاكتظاظ، خروج المواطنين في العديد من المدن جراء الخدمات المتدهورة إن لم نقل المغيبة (وضعية المستشفيات، الطرق المهترئة، غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، الانفلات الأمني..)، منع الحريات العامة، إغلاق باب التوظيف في وجه الشباب، تصنيف المواطنين بحسب انتماءاتهم الفكرية والحزبية والدعوية، توقيف الأئمة والقضاة النزهاء، اعتقال المناضلين المعارضين وفاضحي الفساد.. يبقى كل هذا وغيره غيض من فيض.
2-3 الموجة العارمة
لقد أصبح لازما على القوى الحية أن ترفع أشرعة سفنها وتستعد للإبحار وسط بحر لجي عميق مستعدة لتحمل كل الرياح العاتية إن قدر الله أن تهب عليها قبل انطلاقها أو خلاله، لكن ما يهم هو البوصلة التي يجب أن تكون واضحة متفق على الطرق التي ستبحر فيها مع احتساب الأمواج التي ستلتطم بها والتي قد تفقدها في بعض الأحيان أحد الأشرعة وذلك لعدم وضوحها وثباتها على الموقف منذ الانطلاق، لذلك يجب اتخاذ الاحتياطات اللازمة لهذه المرحلة التي قد تشكل مفصلا مهما في الإبحار، وهكذا هو الطوفان عندما يأتي يجرف كل ما هو غير مثبت جيدا، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، هكذا هي سنة الله في الكون.
إن كان الربيع العربي أعطى للشعوب عدة تجارب في محاربة الفساد والاستبداد، فيجب ألا ننسى أن هذا الأخير بدوره استفاد وبات الآن يؤثث لبيته الداخلي ويقوي صفه غير المرصوص في مجابهة كل العواصف. فعوض مواجهة مطالب الشعب بتلبيتها يستمر في تعنته ويدعي بأن هناك جهات معينة هي التي تحركه أو تركب وفق تعبيره، رغم أن تجاهل إرادة الشعب ونهج سياسة الأذن الصماء من قبل الدولة هي السبب الرئيسي، فلو كان الفساد ذكيا لقام على الأقل بإخماد إرادة الشباب المتوقدة بصفته المحرك الرئيسي في التغيير من خلال تشغيلهم وإدماجهم في سوق الشغل، لكن تشاء إرادة الله أن تجعل من بين أيدي الظالمين سدا ومن خلفهم سدا وتغشيهم فلا يبصرون، فتفوت عليهم الفرص حتى يزداد الوضع تأزما فيهلكهم بما صنعت أيديهم والله لا يصلح عمل المفسدين. فكيف بمن يقطع الأرزاق والأرحام والطرقات والأصوات والحريات.. ألا يكون مصيره الخزي والعار ويجرفه الطوفان وهو المبني أصلا على أسس غير متينة؟ يقول الله عز وجل: هو الذي يسيركم في البر والبحر، حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين (22) فلما أنجيناهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق، يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم، متاع الحياة الدنيا، ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون (23). سورة يونس الآيتين 22 و23.