في مثل هذه الأيام من سنة 2006 تعرضت جماعة العدل والإحسان لحملة قمعية من طرف أجهزة المخزن؛ حملة لم يسبق لها مثيل لأنها كانت عامة وشاملة استهدفت أعضاء الجماعة وأنصارها في مختلف مناطق البلاد وحتى خارجه، واستمرت لمدة طويلة، ولم تفرق بين النساء والرجال والأطفال.
حملة المخزن هذه المرة جاءت كرد فعل عنيف على سلسلة من الأنشطة نظمتها العدل والإحسان وأطلقت عليها اسم “الأبواب المفتوحة”، وهي أنشطة تعارفية وتواصلية وإشعاعية كان الهدف منها المزيد من التواصل وتوضيح خط الجماعة ومبادئها ومواقفها ومنهاجها.
كانت هذه رغبة الجماعة؛ ولكن المخزن أراد شيئا آخر فرد على هذه المبادرة بمداهمة البيوت وترويع الآمنين وسرقة الممتلكات وإتلاف التجهيزات والاختطاف والاعتقال والمحاكمات الصورية والغرامات المبالغ فيها وإغلاق البيوت وتشميعها وتشريد العائلات وإيقاف الخطباء والوعاظ وقطع الأرزاق. والهدف بطبيعة الحال، إسكات صوت العدل والإحسان والحيلولة دون تواصلها مع مختلف شرائح المجتمع، وخاصة بعد الإقبال الكبير الذي عرفته تلك الأنشطة حيث حج إليها عشرات الآلاف من المواطنين والمواطنات. ولذلك حكم أسلوب السلطة منطق رد الفعل الممزوج بالاستجابة لحقد دفين في قلوب بعض من يكرهون الانتشار والقبول الذي تلقاه العدل والإحسان. وإذا كان هذا هو محرك السلطة فانتظر عجبا لأنها ستسيء استعمال آلة القوة والقهر التي بيدها وستوظفها في غير وقتها ومكانها وستفرط في استعمالها.
استهدفت حملة التضييق الأنشطة الإشعاعية واللقاءات التنظيمية، بما فيها اللقاءات التربوية الداخلية للجماعة، وفي مقدمتها مجالس النصيحة، ولم تميز بين المقرات والبيوت الخاصة، واختلطت عليها الأوراق فضيقت على جمعيات لا علاقة لها بالجماعة إلا من كون أحد أعضائها متعاطف مع العدل والإحسان. ولولا حكمة الجماعة وتغليبها لمصلحة البلاد لكانت الأمور تفاقمت إلى ما لا تحمد عقباه.
لم تكن هذه أول حملة على العدل والإحسان، فحرب السلطة عليها صارت في حكم المعتاد، والقمع المسلط عليها صار من المألوفات لدى أعضائها وحتى المتتبعين لتطور مسارها، لأن الجماعة تتعرض، ومنذ تأسيسها، لكل أنواع المضايقة والحصار والعسف الذي طال القيادة والقاعدة، واستهدف الأعضاء والجمعيات والمخيمات والجرائد والمطبوعات، ولكن حملة 2006 كانت فريدة من نوعها سواء من حيث شمولها لكل مناطق المغرب، أو من حيث استهدافها لكل ما يتعلق بالجماعة، أو من حيث استمرارها في الزمن دون توقف لمدة طويلة؛ مما أعطاها صبغة الاعتداءات الممنهجة لأنها لم ترتبط بأخطاء معزولة أو باجتهادات فردية.
وجديد هذه الحملة كان خروج وزير الداخلية بنموسى عن صوابه ليعلن عبر وكالة الأنباء الفرنسية يوم 31 ماي 2006 أن جماعة العدل والإحسان من خلال تكثيف أنشطتها قد وضعت نفسها خارج دائرة القانون، وبذلك يكون أنزل نفسه، في سابقة خطيرة، منزلة الفقيه القانوني المجتهد ليضيف معيارا كميا للمعيار الموضوعي الموجود في المادة 3 من قانون الجمعيات، والذي مفاده أن تكثيف الأنشطة = الخروج على القانون. وهذا يؤكد أن الدولة ضاقت ذرعا بالنصوص القانونية التي فصلتها على مقاسها وبالأحكام القضائية التي تطبخ على مرأى ومسمع منها ولم تعد تحتمل أي صوت أو رأي يخالفها.
اليوم، وقد مرت ثلاث سنوات على هذه الحملة يمكن القول بأن الدولة أنفقت الأموال وضيعت الوقت ووظفت العديد من المنابر والأبواق وبذلت كل ما في جعبتها، ولم تأل جهدا لإسكات صوت العدل والإحسان. فماذا كانت النتيجة؟
لم تحقق هذه الحملة أيا من أهدافها، وأخرجت العدل والإحسان أكثر قوة وعددا وأوسع انتشارا وأكثر تماسكا وأشد صلابة وثباتا على مواقفها وتمسكا بمبادئها. وهذا ما تعود عليه المتتبعون لشأن الجماعة بعد كل حملة عليها.
أما السلطة فلم تجن من حملتها سوى إضافة صفحة سوداء لسجلها الأسود الذي تحاول تبييضه بالملايير دون أن تصل لنتيجة مرضية لأن الطبع يغلب التطبع، ولأنها لا تخرج من مستنقع إلا ودخلت في مستنقع أكثر منه.
لقد أصبحت العدل والإحسان دعوة ملتصقة جذورها بتراب هذا البلد، وانتشرت لتدخل قلوب وعقول وبيوت السواد الأعظم من الناس فحازت القبول والرضا والاحترام بسبب نهجها الرفيق البعيد عن العنف، وبسبب وضوحها منذ البداية سواء في منطلقاتها أو أهدافها أو وسائلها أو مبادئها أو مواقفها أو علاقاتها، وبسبب ثباتها، وبسبب -قبل كل ذلك- قيادتها الحكيمة الرحيمة التي خطت منهاج الرفق والرحمة والوضوح منذ بدايات التأسيس واستمرت عليه دون انفعال أو رد فعل أو خضوع لمساومات أو إغراءات، أو ترغيب أو ترهيب.
الذكرى الثالثة للحملة المخزنية مناسبة أخرى للسلطة لتكتشف أن حلولها البوليسية وقبضتها الحديدية ومساوماتها المغرضة لا تجدي نفعا مع أبناء وبنات العدل والإحسان، وما عليها إلا أن تعتبر مما سبق وتنحاز للخيار الصحيح وتنصت لرأي العدل والإحسان ورؤيتها قبل فوات الأوان.