بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه
إلى إخوتنا معتقلي الرأي الحر والموقف الثابت
إلى معتقلي الصمود في الحق والدفاع عنه
إلى معتقلي العدل والإحسان
سلام الله عليكم ورحمة منه وبركات
وبعد،
يعتز أخوكم في الله المعتقل سابقا عبد الله الشباني أن يتوجه إليكم بهذه الرسالة بمناسبة انعتاقكم من سجون المخزن الظالم.
رسالة آمل أن تحمل لكم سطورها حرارة الشوق إلى لقياكم والتملي بطلعتكم والتنسم بأنوار مصابكم.
نأمل أن تستطيع هذه الكلمات تبليغ مدى ما تكنه قلوبنا لكم من محبة وتقدير:
محبة في الله تجمع بيننا على طريق المجاهدة للنفس والجهاد للتمكين للعدل والشورى ونشر الرحمة والإحسان في سائر البقاع؛
وتقدير لصبركم وتعظيم لثباتكم في تحمل ما ابتليتم به من ظلم وطغيان هذا النظام العتي، نظام لا يوجد في قاموس لغته ولا في مشاعر سدنته -إن كانت لهم مشاعر- كلمة احترام الإنسان، أي إنسان، طفلا كان أو امرأة أو شيخا، فضلا عن صون حرمة المؤمن –يا مسلمين – لضمان حريته وحفظ كرامته وماله وعرضه وجسده.
ضحية كنتم، لعقدين من عمركم، لمن لا ضمير له ولا إحساس مثله كمثل جرافة تطحن تحت عجلاتها أجسادا وتزهق أرواحا دون أن تلقي لذلك بالا، بل تتلذذ بذلك تلذذ المريض السادي بتعذيب ضحيته قبل قتلها.
لكن اعلموا –إخوتنا- أحبتنا أن خيرا غنمتم وشرا حصدوا.
لم تكونوا –إخوتنا أحبتنا- وحدكم ضحايا سادية هذا النظام، فآلته الجهنمية عفست على مر التاريخ الحديث والقديم علماء ومثقفين ومناضلين ودعاة وموظفين، نساء ورجالا، منهم من طمرتهم أحياء حتى زهقت أرواحهم، ومنهم… ومنهم. ما كان “ذنبهم” المشترك إلا أن عبروا أحرارا وشجعانا عن رأيهم وصمدوا على ذلك.
فتحية عطرة لكل حر شجاع صامد أنى كان وأينما كان.
وكم كان اعتزازنا لما وفقتم إليه من صمود نحو إغراءات طلب العفو التي دأب محترفو الإذلال أن يمرغوا فيها وجه الضحية قبل تركها، فأبيتم إلا أن يبقى صبركم وابتلاؤكم نقيا تقيا، خالصا لا تشوبه لوثة المخزن، التي طالما أفسد بها العزائم والهمم، وأفرغ الخطب والكتب والأعمال وجعلها خاوية على عروشها.
فهنيئا لنا بكم وبأمثالكم وبتوفيق الله لكم، والحمد لله المنان المتفضل أن أتم عليكم نعمة المحنة المنحة إذ وفقكم –كل لما يسر له- بعضكم لحفظ كتاب الله تعالى وبعضكم لإتمام دراساته العليا. فتخرجتم من مدرسة يوسف عليه السلام حفظة لكتاب الله عز وجل ودكاترة رغم ما تعرضتم له من أذى ومضايقات على شتى الأصناف في ضيافة الجلاد.
رحلتكم هذه كتبت بماء من ذهب في سجل تاريخ الإباء والشموخ وكتبت قبل ذلك وبعده في صحائفكم، تفرحون بما فيها يوم تلقونها إن شاء الله بأيمانكم، إذ يلقاها البعض وراء ظهره، أعاذنا الله.
لن أغفل عن إنجاز عظيم حققتموه بينكم، لن يفهم قيمته سوى مجرب، وهو الصبر على بعضكم البعض في ظروف العيش بين أسوار زنزانة مخزنية مهينة لا تصلح حتى لإيواء الحيوان -يا حداثيون-، بل أكثر من ذلك، فلقد آثر بعضكم بعضا وواسى بعضكم بعضا، طبتم فطاب مقامكم يا فتية العدل والإحسان وخرجتم أقوى محبة وأشد التحاما. فلقد فرق المخزن تجمعات نضالية إذ تركهم فريسة لأنانياتهم في الزنازن فتنازعوا وخرجوا كل جمع سربه وأنشأ حزبه.
فنسأل الله أن يحفظ لكم ما غنمتموه من هذه المسيرة المباركة وأن يثبتكم على القول الثابت ويرشدكم للعمل الصالح ويقيكم العثرات، فالأعمال بخواتيمها. وكم يتربص الشيطان بخارج من رباط أو قادم من حج أو عمرة مغفور له لكي يسطو على ما غنمه ويدفعه إلى الدنيا دفعا. فهذه الأعمال لا تزيد المؤمن إلا اعترافا لله بفضله ومعرفة بالنفس وقصورها، فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب، فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون.
وأنتهز فرصة مخاطبتكم هذه لأشد بحرارة على أيدي إخوانكم وأخواتكم في هذه الجماعة وأشكرهم جزيل الشكر وأطيبه على ما ساهموا به من وقت ومال وجهد خلال مدة اعتقالكم من أجل ضمان راحتكم وراحة أهلكم، فجزاهم الله خير الجزاء على نموذج التضامن والتكافل الذي قدموا لأنفسهم وللأمة.
ولأهاليكم أقول هنيئا لكم بمثل هؤلاء أبناء وأزواجا وآباء، رفعوا رأسكم عاليا وجعلوا على رؤوسكم تيجانا وأوسمة، في الدنيا والآخرة. هؤلاء هدية الله لكم فاقبلوا الهدية واشكروا).
في الأخير أسأل الله ضارعا أن يتقبل منكم رباطكم ويجعله مرقاة لكم في مدارج معرفة الله ومحبته وأن يحفظكم وأهاليكم وأن يفتح لكم أبواب فضله وأن يرزقكم رزقا طيبا مباركا، ونسأله عز وجل أن ييسر لكم الاستمرار في مسيرتكم الدعوية والجهادية ويجعلكم منارات خير للأمة إنه نعم المولى ونعم النصير.
والحمد لله رب العالمين.
القنيطرة 13 ذو القعدة 1430
أخوكم ومحبكم عبد الله الشباني