سيدتنا هند بنت المهلب

Cover Image for سيدتنا هند بنت المهلب
نشر بتاريخ

كلما تعمقنا في معرفة وتحليل مميزات الرعيل الأول، ازددنا يقينا أن للمرأة دورا كبيرا في حياة الأمة جمعاء، تستطيع المرأة من خلاله أن تساهم في بناء مؤسسات المجتمع المدني وتكون سندا للحق، مشاركة مشاركة فعالة في تثبيته.

صورة مشرقة غاية في التقاء للبذل والتضحية والعطاء، وقد تمثلت هذه المعاني في نفوس الصحابيات والتابعيات. فكن للطهر أمانة، وللعفة زمزا، عفيفات صالحات، ينابيع السكينة وأحضانها، في البيوت قرارهن، يهذبن أنفسهن، يربين أولادهن، ويخلفن أزواجهن.

ولعل هند بنت المهلب من التابعيات التي أعطت نموذجا للمرأة الصالحة، برجاحة عقلها، وفصاحة لسانها، وبعد همتها. وكانت حكيمة، ذات خلق عظيم.

هند بنت المهلب هي إمرأة ذات حسب ونسب، أبوها القائد المغوار المهلب بن أبي صفرة، عرفت بجمالها، وطلعتها البهية، اشتهرت بذكائها الشديد وحكمتها البالغة. تزوجت الحجاج بن يوسف الثقفي رغما عنها، وبعد مرور سنة ألقت في الحجاج شعرا، فلما سمعبه طلقها، فتزوجها بعد ذلك عبد الملك بن مروان.

توفيت عام 102هـ بعد مقتل إخوتها في عهد يزيد بن عبد الملك، انتقلت هند في آخر زمانها إلى عمان وعاشت ببلدة أدم وبنت مسجدا يعرف بمسجد المهلبية.

مواقفها

روى ابن عساكر، في تاريخه من طريق يزيد بن مروان، عن زياد بن عبد الله القرشي قال: “دخلت على هند بنت المهلب بن أبي صفرة، وهي امرأة الحجاج بن يوسف، فرأيت في يديها مغزلا تغزل به، فقلت: أتغزلين وأنت امرأة أمير؟ قالت: سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطولكن طاقة أعظمكن أجرا، وهو يطرد الشيطان، ويذهب بحديث النفس”.

وكانت لها أقوال بليغة، مثل قولها حين ذكرت امرأة بجمالها: “ماتحلت النساء بحلية أحسن عليهن من لب طاهر، تحته أدب كامل”. لعل أجمل أقوالها وأكثرها حكمة ومعرفة بحال الدنيا، قولها: “إذا رأيتم النعم مستدرة، فبادروها بتعجيل الشكر قبل حلول الزوال.”
وقالت أيضا: “رأيت صلاح الحرة إلفها وفسادها بحدتها، وإنما يجمع ذلك ويفرقه التوفيق”.

العبر والعظات

لعل لسيرة سيدتنا هند بنت المهلب فوائد وعبرا كثيرة نستفيذ منها في حياتنا اليومية:

ـ لقد روت سيدتنا هند حديثا واحدا واعتبرها العلماء من رواة الحديث.

ـ الطاقة عند العرب وهي المغزل، وهو لفظ مجازي، وهذا الحديث فيه توجيه دقيق وبليغ للمرأة بصفة عامة، أن أي عمل تقوم به هو طاقة يجب أن تستثمره، ولا تترك فيه فراغا.

ـ لا بد للمرأة أن تخرج من دائرة الفراغ إلى دائرة الاشتغال والانشغال بما يعود على أسرتها وعلى المجتمع والأمة بالنفع المتواصل. فالمرأة بما أوتيت من صفات مخصوصة بدءا بحفظ الفطرة وصولا إلى بناء الخلف، قادرة على أن تعيد ترميم بناء مجتمعي جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل.

ـ أي عمل تقوم به المرأة بنية حسنة، متوجهة فيه إلى طلب وجه الله، تصل به إلى تاج الإحسان.

ـ جوهر المرأة هو قلبها ولبها، قلب نقي من الحسد والشهوات، على قدر صفاء قلبك أختي على قدر عطائك.

ـ إن صلاح المرأة هو مدى تعاملها برفق ولين مع الآخرين، وترك التعنيف والشدة والغلظة في ذلك، وهذا الطريق الحق توفيق الله للعبد وتيسيره، فهنيىئا لمن اقتدت بالحبيب المصطفى صلوات الله عليه، وكانت رفيقة، لطيفة، متسامحة، تاركة العنف والغلظة.

لعل سيرة هذه النسوة، ومواقفهن العظيمة تبقى نورا لنا في حياتنا، بهن نعتبر، ونتخذهن قدوة لنا في الحياة، نستلهم منهن عبرا من خلال أحداث غيرت التاريخ، ومنحة ربانية، حملوا فيها مشعل التغيير والنهوض بالأمة جمعاء، صانعات للمستقبل، محررات للإرادة، واثقات بأنفسهن، علت هممهن إلى بلوغ الكمالات الخمس.