نعود لموضوع مشروع قانون المسطرة المدنية، لنقف عند بعض مقتضياته التي أثارت حفيظة المحامين والمتتبعين، لنخصص هذه المرة الحديث عن الوكيل وما تضمنه المشروع من مقتضيات مرتبطة به.
نصت المادة 76 من مشروع قانون المسطرة المدنية والمواد التي تلتها ومواد أخرى من المشروع على أن الذي يمثل الأطراف أمام القضاء هو المحامي أو الوكيل، ثم فصلت المادة 79 من المشروع في من يمكن أن يكون وكيلا للأطراف، حيث أوضحت الفقرة الأولى إلى أنه لا يمكن أن يكون وكيلا للأطراف إلا أقارب الأطراف على درجة من القرابة، غير أن الفقرة الثانية من نفس المادة 79 نصت على أنه “يجب على الوكيل، الذي لا يتمتع بحكم مهنته بحق التمثيل أمام القضاء، أن يثبته وكالته بسند رسمي أو عرفي”…
ثم نصت المادة 94 من المشروع على أنه “إذا صدرت أمام القضاء أقوال أو أفعال تتضمن سبا أو إهانة أو قذفا، ممن له بحكم مهنته حق تمثيل الأطراف، حرر كاتب الضبط بأمر من رئيس الجلسة محضرا خاصا بذلك يوجه في الحال إلى النيابة العامة، فإذا تعلق الأمر بمحام وجهه إلى نقيب الهيئة وإلى الوكيل العام للملك المختصين لاتخاذ ما يجب طبقا للقانون”.
والذي يستخلص من هذه المقتضيات، وغيرها، أن الوكيل الذي له بحكم مهنته حق تمثيل الأطراف، هو شخص آخر غير المحامي.
وعندما تمت مناقشة الموضوع مع السيد وزير العدل، داخل مجلس النواب وخارجه، وطرح عليه السؤال عن سياق إدراج هذا الوكيل إلى جانب المحامي، صرح بأن هذه المقتضيات هي نفسها الواردة في قانون المسطرة المدنية الحالي، ولم يزد عليها ولم ينقص.
وبالرجوع إلى الفصل 44 من ق المسطرة المدنية نجد فعلا أنه تضمن مقتضيات مشابهة لتلك الواردة في المادة 94 من المشروع، ينص على أن جرائم الجلسات قد ترتكب من طرف محام، أو وكيل له بحكم مهنته حق تمثيل الأطراف. وكذلك فصول أخرى تضمنت الإشارة إلى أن تمثيل الأطراف أمام القضاء مخول للوكيل الذي له بحكم مهنته حق تمثيل الأطراف إلى جانب المحامي. لكن هل يشفع ذلك للسيد الوزير؟ وهل التنصيص في قانون المسطرة المدنية الحالي على وكيل له بحكم مهنته حق تمثيل الأطراف يبرر بالضرورة إعادة تضمين المقتضيات الجديدة، مقتضيات قد تكون نسخت؟
نعتقد أنه للإجابة على هذا السؤال، لابد من التذكير بالتطور التشريعي الذي عرفه المغرب في هذا الباب.
فالمغرب، عند سن التشريعات الحديثة، إبان فترة الحماية الفرنسية، أوكل حق تمثيل الأطراف لثلاث هيئات مختلفة:
أولا المحامون بمقتضى ظهير 10/01/1924 المتعلق بتنظيم الهيئة وممارسة مهنة المحاماة.
ثانيا الوكلاء المقبولون لدى المحاكم المخزنية بمقتضى ظهير 10/01/1924 المتلق بالوكلاء المقبولين لدى المحاكم المخزنية وتنظيم ممارسة مهنتهم.
ثالثا الوكلاء لدى المحاكم الشرعية بمقتضى ظهير 29/09/1925.
ثم صدر بعد ذلك المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 816.65 بتاريخ 19/12/1968 القاضي بتنظيم نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة، فنسخ، بمقتضى الفصل 70 منه، قانون المحاماة لسنة 1924، كما نسخ صراحة الظهير المنظم لمهنة المدافعين المقبولين لدى المحاكم المخزنية، ونسخ جزئيا ظهير الوكلاء لدى المحاكم الشرعية.
كما أن هذا المرسوم نص في الفصل 32 منه صراحة على أن المحامين لهم وحدهم حق تمثيل الأطراف أمام القضاء، ولم يفتح لهذه القاعدة إلا استثناء واحدا، هو الوارد في الفصل 71 منه، بخصوص الوكلاء الشرعيين المزاولين مهنتهم آنذاك، فإنهم احتفظوا بالحق في تمثيل الأطراف في قضايا الأحوال الشخصية والميراث وقضايا العقار غير المحفظ. أما المدافعون المقبولون فإنهم تم نسخ القانون المنظم لمهنتهم ونص الفصل 71 من المرسوم على أنهم يقيدون في نقابات المحامين ويسجلون بجدول الهيأة.
ويمكننا أن نستخلص من هذه المقتضيات أنه بعد دخول المرسوم الملكي لسنة 1968 حيز التنفيذ، أصبح تمثيل الأطراف حكرا على المحامين أساسا والوكلاء الشرعيين في بعض القضايا، فقط دون غيرهم.
وبما أن هذا الوضع هو الذي كان سائدا وقت صدور قانون المسطرة المدنية الحالي سنة 1974، فإن المشرع عندما نظم حق تمثيل الأطراف أمام القضاء، بمقتضى الفصول 31 وما بعدها من ق المسطرة المدنية، لم يكن يمكنه حصر ذلك في المحامي، لأن النص المعمول به آنذاك، وهو المرسوم الملكي بمثابة قانون رقم 816.65 بتاريخ 19/12/1968، كان يجيز للوكلاء الشرعيين النيابة عن الأطراف في بعض الملفات.
لكن المشرع المغربي تدخل من جديد سنة 1979 وسن قانونا جديدا لمهنة المحاماة، نص في فصله 33 على أن المحامين لهم وحدهم حق تمثيل الأطراف أمام القضاء.
وأن المشرع هذه المرة لم يفتح أي استثناء على هذه القاعدة، ولم يعد ممكنا، لمن كان له من قبل، بحكم مهنته حق تمثيل الأطراف، أن يزاول هذا الحق بعد صدور قانون المحاماة لسنة 1979.
وأن هذا الوضع استمر مع قوانين المهنة اللاحقة سنة 1993 ثم سنة 2008.
وعليه، فلئن نص قانون المسطرة المدنية لسنة 1974 على وكلاء من غير المحامين، لهم بحكم مهنتهم حق تمثيل الأطراف، فإن ذلك كان له ما يبرره من الواقع ومن القانون، بما أن الوكلاء الشرعيين كان لهم نصيب من ذلك التمثيل.
لكن وبما أن تمثيل الأطراف أمام القضاء اليوم لم يعد ممكنا، واقعا وقانونا إلا من طرف المحامين.
فإن ما ورد في مشروع قانون المسطرة المدنية، علاقة بالوكيل الذي له بحكم مهنته حق تمثيل الأطراف، من اجترار لنصوص وقع نسخها واقعا وقانونا، غير ممكن، ويشكل خطأ تشريعيا، ما دام المشرع المغربي اختار أن يحصر حق تمثيل الأطراف، عبر تطور تشريعي مستقر وقاصد، في مهنة المحاماة دون غيرها.