الصلاة على النبي احتفالية بالزمان والمكان تتجاوز الطقوس والمناسبات، هي حركة للديمومة مستمدة من حركة الله الذي يصلي بها وملائكته على النبي بشكل دائم ومطلق، فالصلاة على النبي إيقاع كوني وأمر إلاهي صلوا عليه وسلموا تسليما.
والصلاة من الله تعالى رحمة، وكل عطائه رحمة: اطمئنان القلب، صحة الجسم، تيسير الواقع، دفاع عن الذات، إعلاء من القدر وغيرها من الرحمات، فصلاة الله على النبي هي الرحمة، وصلاة المؤمنين الدعاء وطلب الرحمة من الله كي يبقى الاتصال مستمرا بين المشكاة والنبوة، وحركة الصلاة فعل مضارع “يصلون” يفيد الاستمرارية والدوام ولم يحدد بزمان.
فرحمة الله تبدأ من الحالة النفسية إلى الحالة الجسمية إلى العلاقات الاجتماعية، إحساس بمعية الصادقين المحبين الموصولين الذين يقتبس منهم كأنهم مصباح يأتيك نوره أو مدفأة تأخذ من دفئها أو مكيف يعطيك هواء باردا، إنه مفهوم “الاقتباس” من الطمأنينة، من الاتصال بالله، من الصلاة على النبي، أي وأنت تصلي على النبي فأنت في حالة من الأحوال، تقتبس من صفات النبوة وتشتهيها كما تشتهي الطب حين تجلس مع الأطباء، وتشتهي أن تكون تاجرا حين تجلس مع التجار، وللنفس حالات وأحوال مع أهل الدنيا وأهل الإيمان، ولكل مكان حالة نفسية ترتبط بأهل المكان وتمنحها صفة البسط أو الانقباض، فكل نفس لها إشعاع وحرارة إلى النفس التي تجالسها أو تصحبها أو تذكرها أو تصلي عليها، فعطر فمك بالصلاة على النبي).
إن الصلاة على النبي تجمع الأحباب والأقرباء والجيران وأهل البلد، فتصبح صلاة البيئة، كل يصلي عليه، وكل يقتبس من صفاته وأخلاقه، فالخلق يجمع الناس كما جمع عليه الصلاة الأوس والخزرج، وإذا اجتمعنا فإما على أخلاقه أو علمه أو قوله أو فعله أو أحواله، نفتتح بالصلاة عليه ونختتم بها، والملائكة الوسطاء تؤمن وتنشر القربات والرحمات، فالصلاة قرب منه ومن سنته بذكر فضائله وشمائله ومواقفه، فهو القدوة المجسمة بالقرآن والناطقة عن الله.
إن الصلاة ذكر لسنته الفعلية والقولية وذكر لكماله ورحمته وحرصه على المؤمنين، وإعلاء لذكره في الدنيا، وإظهار لدعوته، وإبقاء لشريعته، وطلب لشفاعته وللمقام المحمود، ومضاعفة للأجر والمثوبة، فعطر فمك بالصلاة على النبي).
كثيرة هي التوجيهات المكتوبة على الواجهات الزجاجية الخلفية للسيارات، والتي أصبحت مألوفة، “صلوا على النبي”، “الصلاة على النبي”، لن نبحث في نوايا أصحابها، بقدر ما يهمنا التأثير الممكن والسياق الواقعي، قد أكون جاف الإحساس، ولا أتفاعل مع هذه الصيغ لقلة إيماني، فلنجعل من ذكرى المولد النبوي فرصة لتجديد الإيمان والتدريب على الصلاة على النبي بإحساس نبوي، فعلى قدر الإحساس تكون الصلاة، فعطر فمك بالصلاة على النبي).
“عطر” فعل أمر متعدي يتضمن دلالة الاختيار، و”العطر من مقاصد الشريعة” بتضمنه في التحسينيات، فالصلاة على النبي حركة الله، حركة الاقتداء، حركة الانسجام بين السماء والأرض، حركة واقعية، فض للنزاعات، افتتاح للجلسات واختتام للكلام، نفي للهذر، تكفي الصلاة عليه لتنشرح الصدور.
بالصلاة عليه تنتشي الذات، وتحقق الإفراغ والامتلاء ، هي غسل وعطر روحي، فعطر فمك بالصلاة على النبي).
كل أمر وراءه حكمة ونعمة وفضل للبشرية، إنه الاستثمار في الصلاة على النبي، والصلاة عليه لن تولد إلا حبه وبالتالي الاقتداء به، “فالمحب للحبيب مطيع”، ستقولها الآن عطرا، وستشتري من أكبر شركة العطر، شركة “الصلاة على النبي”، العطر الشفوي، رائحة تخرج كلاما ورحيقا مختوما، فلسان يصلي على النبي لا يمكن أن ينطق إلا خيرا، وبالتالي يعبر إيمانا.
فالعطر النبوي الشفوي نظافة روحية، وإذا كان الحديث جامعا، “النظافة من الإيمان”، والعطر نظافة وتتويج لها، إذا فالعطر النبوي من الإيمان.
وقد كان من الممكن أن تكون الصيغة تَعطّر بالصلاة على النبيّ، ويكون الأمر سريا أو مناجاة وانحساسا بالصلاة على النبي، ففعل الأمر ممارسة كلامية تسود المجالس وتسمعها الآذان لتصبح حركة واقعية قولا وسلوكا واقتداء بالنبي، وبالتالي رصيدا من التجاوب والسلام والتسليم، فالرسول عليه الصلاة والسلام يرد عليك السلام والتحية بأحسن منها، فهو على خلق عظيم، وصلاتك عليه رصيد ليوم القيامة حيث “الهدية الكبرى” هدية الشفاعة، وكأن الجملة عطر فمك بالصلاة على النبي) تجد رائحتها يوم القيامة، والوجد إحساس يتجاوز حاسة الشم، فعطروا وتعطروا واستعطروا بالصلاة على النبي في ذكرى مولده، و ل عام وأنتم مصلون عليه، وذكرى مباركة على الشعب المغربي والأمة الإسلامية.