أصدر أحد علماء السعودية يوم 21/6/1427 هـ 17-07-2006 م فتوى بشأن المقاومة اللبنانية، أغرب ما فيها أنه لا يجوز نصرة حزب الله، ولا الدعاء له كما تنصح الفتوى بالتبرؤ منه وخذلانه!!!
أسئلة ملحة تبادرت لذهني وأنا أقرأ هذه الفتوى: أي صنف من عوام الناس فضلا عمن يتولون أمر التوجيه والإرشاد يجرؤ على طعن المقاومة بهذه الطريقة؟ أهي الشجاعة الصادقة في التحذير من خطر حزب الله باعتبار خلفيته المذهبية؟ أم هي وظيفة الإفتاء على مقاس الموقف السياسي للحاكم؟
بداية نذكر أن المحرك الأساس المعلن من طرف حزب الله في عمليته الأخيرة هو تحرير الأسرى اللبنانيين من سجون الاحتلال، ومبرر الإبادة الجماعية عند اليهود لشعب لبنان الصامد كان إطلاق سراح الجنديين الأسيرين والقضاء على حزب الله، ثم تراجع هذا المبرر بفعل حقائق الميدان العسكري إلى إحداث شريط أمني عازل على الحدود لمنع خطر المقاومة عن قطعان المستوطنين وعساكر اليهود بشمال فلسطين المحتلة.
عمليا كان المردود الميداني والسياسي للمقاومة اللبنانية: بروز الأمل في إطلاق سراح المعتقلين وفتح جبهة جديدة تشغل جنود العدو وتنفس الضغط العسكري عن قطاع غزة الصامد وهز صورة جيش العدو بفعل الاحترافية العالية لمقاومي حزب الله وإعطاء فرصة لفصائل المجاهدين الفلسطينيين لترتيب صفوفهم، ثم فضح جرائم العدو بالصوت والصورة أمام العالم الذي تسعى الدعاية الصهيونية لكسبه بما تملكه من سيطرة على العديد من الإمبراطوريات الإعلامية.
الفتوى…البلوى.
تأتي هذه الفتوى في سياق موقف عربي متخاذل تجاه العدوان اليهودي على فلسطين ولبنان، استجابة لضغوط أمريكية، وتناغم الموقفين الديني والرسمي السعوديين، حيث سبق وأعلن وزير خارجية السعودية عند بداية العدوان على لبنان أن عملية حزب الله البطولية ليوم 12/07/2006 : ” مغامرة غير محسوبة العواقب “.
ابتليت الأمة بهذه الفتاوى القديمة قدم تسلط العض والجبر على رقاب المسلمين، فغير بعيد وخلال سنوات الانتفاضة الأخيرة طلع علينا أحد مشايخ السعودية رحمه الله بفتوى عجيبة غريبة، هذه المرة ليست ضد حزب الله الشيعي بل تضرب جهاد الفصائل السنية المجاهدة بفلسطين فحواها أن قتال الفلسطينيين لليهود ليس بجهاد، لأنه ليس تحت راية قائد مسلم!!! وأن على أهلنا بفلسطين تركها لأنها لم تعد دار إسلام !!!
ومن قاهرة المعز طلع علينا الشيخ طنطاوي بتصريح ناري في حق السيد حسن نصر الله متهما إياه بجر المنطقة لحروب وويلات!!!… في تماه صارخ مع موقف: مبارك.
القائمة تطول وتطول، على امتداد جغرافيا العض والجبر في عالمنا الإسلامي، في مسلسل من فتاوى إمعات ومتملقين على الأعتاب ووعاظ سلاطين همهم خدمة الموقف الرسمي وتأبيد الاستبداد ولسان حالهم يقول: عيشة هنية ولو بفتوى بلية. وهذه بلية ورزية لا تقاس إلا بفداحة الفتنة التي شتتت شمل هذه الأمة ومزقتها سنة وشيعة، روافض ونواصب.
ما هي السبيل إذن لتوحيد المسلمين؟ هذه مهمة العلماء العاملين، يأخذونها دواء من صيدلية النبوة لمرض اسمه: الوهن، عرفه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بحب الدنيا وكراهية الموت.
حزب الله المنتصر و” التهديد ” الشيعي!!!
لعل أبرز ما ميز الخطاب السياسي لحزب الله وهو يدير معركة المقاومة ضد جيش العدو هو بعده عن المذهبية، وتعاطيه مع الأحداث اليومية بمفردات الوحدة الوطنية والدفاع عن كل لبنان المستهدف بسنته وشيعته و”دروزه”، بمسلميه ومسيحييه…إلخ. هذا الخطاب ليس مستغربا على حزب يتحرك وسط خليط من الديانات والمذاهب والإيديولوجيات، الشيء الذي صعد من مؤشر التأييد للفعل المقاوم لحزب الله وأمن لحد كبير باقي اللبنانيين والشعوب العربية.
القراءة الضيقة لعلماء التشتيت والتمزيق داخل أمتنا تقول أن انتصار حزب الله في المعركة الأخيرة هو انتصار للتشيع بالبلاد العربية والإسلامية، وهم بذلك يعبرون عن عجز فضيع في تدبير الخلاف المذهبي وتقوية عناصر الوحدة المأمور بها قرآنا وسنة:
قال الله تعالى: ” واعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا ” آل عمران الآية 103.
روى الإمام الطبري رحمه الله بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض “
والقراءة المسطحة للحكام المتسلطين على رقابنا تقول أن انتصار حزب الله ومن وراءه إيران هو تقوية
” للهلال الشيعي ” بتعبير ملك الأردن.
ترى هل يجدر بنا أن نذكر حكامنا الكسالى أن سياسة إيران بالمنطقة تحددها مصالحها الاستراتيجية أولا ؟ وإلا كيف نفهم وضع شيعة العراق أيديهم بأيدي الأمريكان ومقارعة شيعة لبنان لحلفاء الأمريكان: اليهود، دون أن نغفل دعوة إيران لأمريكا للتداول بشأن الملف العراقي من موقع الندية.
ثم أين هي المصالح التي تتبنون في سياساتكم وتعاطيكم مع الأحداث أيها الحكام العرب، غير المصالح الشخصية والفئوية من تركيز السلطة والثروة وتأبيد الاستبداد على رقابنا ؟
ألا فاسمعوا يا حكامنا: أمريكا لا صديق لها ولا عدو لها، لقد كان لكم عبرة في شاه إيران وصدام العراق، شرطييها في الخليج سابقا.
خلافنا المذهبي مع الشيعة وخصوصا المتطرفين منهم قائم، يرجى حله بواسطة أهل الاختصاص من العلماء العاملين على وحدة الأمة، لا المتاجرة به على حساب الموقف من مقاومة اليهود.
وأنتم يا علماء التفتيت والتمزيق، يا مداحي السلاطين نعترف لكم صراحة أيها ” العلماء العملاء ” بالمساهمة الفعالة في تشتيت هذه الأمة على مقاس مواقف أولياء نعمتكم المستوحاة من الأجندة الأمريكية.
اللهم اهد المتخاذلين منا سواء الوحدة وجمع الشمل…آمين.