إن الاعتراف الرسمي بفشل المنظومة التعليمية بالمغرب لم يفاجئ الرأي العام بقدر ما اعتبره خطوة متأخرة جدا لن تنفع في شيء، فقد أبانت النتائج الكارثية للسياسات العمومية التي نهجت طيلة عقود لإصلاح التعليم العمومي عن فشلها وعن حاجتها لإصلاح نفسها قبل إصلاح غيرها وعن حاجتها للمعالجة باعتبارها مخططات استعجالية، إذ لا البيئة التي يرجى تنفيذها فيها، ولا المجتمع المراد تطبيقها فيه، يسمحان بقبول المناهج المستوردة من دول أوروبية متقدمة، متقدمة من حيث البنية التحتية لمؤسسات التعليم ووفرتها وتغطيتها لكل المدن والقرى، متقدمة لاستقلالية قرارات إداراتها، متقدمة بإشراك جميع الشرائح المتقاطعة في مصلحة التعليم لاعتباره القاطرة الأساسية للتقدم والنمو والازدهار وبناء مستقبل الوطن.
إن الدولة المغربية، وبعد هذا الاعتراف الرسمي بالفشل وعجزها عن معالجة هذه الأزمة المستفحلة بعد تجريب كل الحلول الترقيعية للإصلاح حتى بات يقال بأن آليات إصلاح التعليم بالمغرب تحتاج للإصلاح، ما كان لها إلا أن تلجأ إلى أسهل الحلول وأرخصها لتعتمدها كسياسة عمومية لتدبير فشل التعليم وهي طغيان المقاربة الأمنية، وذلك من خلال إحكام قبضتها الحديدية على الكليات والمدارس ونقابات التعليم، عن طريق لجم الأصوات الحرة المطالبة بالإصلاح الشمولي والزج بها في الزنازين لإسكاتها، ومنع ومحاصرة كل الأشكال النضالية المنادية بالإصلاح الجذري للتعليم، ثم إشكالات أزمة النقل الجامعي، وضعف البنية التحية لمعظم الأحياء الجامعية والمطاعم، وتوقف أشغال ترميمها لمدة أزيد من خمس سنوات، واستمرار الاكتظاظ بسبب قلة المدرجات بالكليات والأقسام بالمدارس، والتعنت في نهج المقاربة الأحادية والارتجالية والفوقية في تدبير ملف التعليم، وعجز وجمود المنظومة البيداغوجية عن مسايرة متطلبات وحاجيات سوق الشغل، ومحاولات ضرب مجانية التعليم، وإعفاء أزيد من مائة إطار تربوي من مهامهم بسبب انتمائهم السياسي والدعوي، مما ترك فراغا كبيرا بإدارات المؤسسات التعليمية، ثم ترسيب أساتذة متدربين رغم نجاحهم في الامتحانات وتعيينهم بالمؤسسات التعليمية… كل هذا يظل غيضا من فيض وشجرة تخفي غابة.
وتبقى السمة الغالبة في تعاطي الدولة مع إصلاح التعليم في ظل فشله هو هيمنة العقلية التقليدية وغياب الإرادة السياسية الحقيقية مع تعنت ممنهج لتشتيت الأسرة التعليمية وتخريب الجامعة والمدرسة من قيمها الانسانية حتى تصبح خزانا لتخريج شباب مفرغ من المعرفة حاقد على الوضعية المأساوية للمنظومة الفاشلة التي كان نتاجا لها ليجد أمامه الأستاذ كحائط قصير للانتقام من المنظومة المنخورة الساخط عليها. لذلك في ظل هذه الأزمة تبقى عدة أسئلة تطرح نفسها بقوة:
ما الغاية إذن من نهج المقاربة الأمنية بعد الاعتراف بفشل السياسات العمومية في مجال التعليم؟
وما هو أفق التعليم العمومي في ظل الانتشار السريع لمظاهر فشل المنظومة التعليمية؟
وما دور المجتمع المدني لمواجهة التدبير الأحادي لملف التعليم؟
وما هو مستقبل الأجيال ضحية فشل هذه المنظومة التعليمية؟
وما هي المداخل الكفيلة بإعادة قطار التعليم إلى سكته؟