قراءة في البيان الختامي لمجلس الشورى: السياقات، والقضايا، والمواقف، والرسائل

Cover Image for قراءة في البيان الختامي لمجلس الشورى: السياقات، والقضايا، والمواقف، والرسائل
نشر بتاريخ

تمهيد:

تنجز هذه الفقرات مقاربة توصيفية للبيان الختامي الذي أصدرته جماعة العدل والإحسان عقب انتهاء أشغال الدورة الثالثة والعشرين لمجلس الشورى، والذي انعقد في التاسع والعاشر من شهر شعبان من العام 1446 للهجرة، الموافق للثامن والتاسع من فبراير من سنة 2025 الميلادية. ونستهدف من ذلك وضع القارئ والمتابع والمهتم عموما في سياقات إصدار هذا البيان، والتعريف بمضامينه، واستجلاء مواقفه، وكذا التعرف على الرسائل المبعوثة المتضمنة فيه، كل ذلك قصد الوقوف عند تفاعل جماعة العدل والإحسان من خلال مؤسساتها الرسمية مع مستجدات الواقع المغربي والإقليمي والعالمي.

في أهمية البيان:

يمكن أن نحدد أهمية هذا البيان في الاعتبارات الثلاثة الآتية:

أولا. جهة الإصدار: والتي هي مجلس شورى جماعة العدل والإحسان باعتباره إن شئنا برلمان الجماعة ومؤسستها المتخصصة في التداول الشوري في القضايا التي تهم الجماعة. ويكتسب انعقاده دلالات مهمة، تظهر في ثلاثة أبعاد أساسية:

1. البعد التنظيمي الذي يؤشر على البعد المؤسساتي في التدبير، بما يكشفه من كون الجماعة مؤسسة منظمة بهياكل محددة، منضبطة برزنامة زمنية مفعلة.

2. البعد التربوي الذي يبرز في تحقيق ما سماه البيان بـ”المقاصد السنية الثلاثة” التي تتجلى في الفعل الشوري بما هو دين لقوله تعالى وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ، وترسيخ نهج التناصح بما النصيحة دين كذلك “لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم: والاهتمام بأمر المسلمين بما هو دين أيضا لأن “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”.

3. البعد السياسي؛ إذ الإصدار في حد ذاته له اعتبار خاص يظهر في تجاوز الجماعة لبعض قيود “الكتمان التنظيمي”، وهذا الإصدار فيه جرأة سياسية، وفيه وضوح، وفيه تحمل للمسؤولية بالبيان في الوقت المطلوب، وبالإعلان عن الذات وعن مواقفها من دون نيابة أو وساطة. وطبعا هذا ليس بالأمر الجديد، بل هو استمرارية لمختلف الإعلانات عن المواقف التي تكون في مختلف الأحوال والتي تصدر عن مؤسسات متعددة داخل الجماعة.

ثانيا. سياق الإصدار: وهو السياق الذي تتداخل فيه سياقات عامة وأخرى خاصة، ويندمج في معالم هذا السياق ما يكشف عن الفاعلية التنظيمية الداخلية والفعالية في الحضور المجتمعي؛ فصدور البيان يأتي في سياق الفعل المجتمعي المهم الذي ظهرت به الجماعة، والذي من تجلياته الصدور في:

1. سياق طوفان الأقصى والنصر الذي منّ الله عز وجل به على المجاهدين في غزة، وما تركه ذلك من فرح غامر في نفوس المسلمين والأحرار في العالم.

2. سياق الذكرى الأولى، أو بالتزامن مع الذكرى الأولى لإصدار الوثيقة السياسية التي مثلت تقدما مهما جدا في طرح البدائل التغييرية من منظور حركة دعوية إسلامية مغربية.

3. سياق المبادرات والمشاركات الواسعة للجماعة في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني، إلى جانب عموم الشعب المغربي والأغيار الفضلاء.

4. سياق الإسهام في النقاش المجتمعي الذي قدمت فيه الجماعة رأيها ومواقفها من قضايا متعددة خاصة قضية مدونة الأسرة ثم قانون الإضراب.

إن البيان يحدد سياقاته الخاصة من خلال التمييز بين:

1. سياق محلي عنوانه على المستوى السياسي التغول، وعلى المستوى الحقوقي مصادرة السلطة للحقوق. وهنا يتم إعادة التأكيد على الطابع الاستبدادي للدولة.

2. وبين سياق دولي عنوانه طغيان الاستكبار العالمي، وانفضاح همجية الكيان الصهيوني، وهنا يتم التأكيد على مفهوم الاستكبار، ثم على هذه الروح الخبيثة لهذه الجرثومة الصهيونية التي تسكن العالم الغربي المتقدم زعما قولا لا فعلا.

سنجد في هذه السياقات تداخل الاعتبارات المؤسساتية والاعتبارات السياقية، لنستدل على أننا مرة أخرى أمام عرض أو مقترح مهم في نطاق بناء الوعي السياسي للتغيير المجدي على أصعدة مختلفة وبكافة الوسائل، بالنظر إلى كون جماعة العدل والإحسان فاعلا مجتمعيا مغربيا بمرجعية إسلامية، تتحرك بقصد ووعي ومنهج ضمن تفاعلات مع صفها الداخلي وواقعها الدولي والمحلي.

ثالثا. مجريات المجلس وقضاياه، والتي شملت ثلاثة محاور كبرى هي:

1. الكلمة التوجيهية للأمين العام، والتي وصفها البيان بسمتي الجامعة والمنهضة؛ الجامعة للقلوب وللأفهام، والمتميزة بالشمولية في التناول، ثم المنهضة المشتغلة على التحفيز الذاتي، بما هو أداة من أدوات التعبئة وشحذ الهمم وتوجيه القصد. ولقد أكدت هذه الكلمة على المعاني التالية:

– المعاني الإيمانية التي تمثل الجوهر الثابت في الأساس التربوي عند جماعة العدل والإحسان، ومن ذلك تحقيق العبودية لله، والتحقق القولي والعملي بمعاني العدل والإحسان، واللجوء الدائم إلى الله والإخلاص في طلب وجهه الكريم.

– الفهم العميق عن الله لحادثة طوفان الأقصى بعيدا عن التحليلات المادية المنبتة عن الله المنقطعة عن معنى الآخرة والغيب، وهنا تتجاور معاني اللطف الإلهي إلى جانب معاني التأييد الرباني، ومعاني الجهاد والاستشهاد.

– أهمية التسلح بثلاثية التوكل على الله، والصبر في طريق الله، واليقين بوعد الله وموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم.

– الدعاء والترحم على الشهداء والشفاء للجرحى والمكلومين من أبناء غزة وفلسطين عموما.

وجملة هذه المعاني، إنما تبرز أهمية ودلالة العوامل الإيمانية الغيبية في المقاربة التحليلية لنهج الجماعة لقضايا الفرد والمجتمع، من خلال رؤية تستند إلى مرجعية المنهاج النبوي في اتكائها على المعين القرآني والسنة النبوية، والاستفادة من الحكمة البشرية.

2. الكلمة التأطيرية لرئيس مجلس الشورى، والتي ركزت على أمرين اثنين: توجيه النصح للحكام الغارقين في التطبيع من خلال كلمة قوية واضحة مسؤولة محذرة مبشرة، ثم تجديد النداء من أجل تحالف إنساني ضد الصهيونية، ولقد كان القول فيها بليغا يصف واقع ذل الحكام، كما كان النصح فيها أبلغ “لمن لا يزال يهمه دينه، ولمن لا يزال يحسب لآخرته بعض حساب”.

3. التداول في قضايا داخلية: شملت تقييم الأداء الشوري لعمل الجماعة، ومناقشة ورقة في العمل المجتمعي للجماعة، ثم تعديلات قانونية وأخرى تنظيمية.

وإذا كان البيان لم يبد كثير تفصيلات بصدد ما تم تداوله في القضايا التنظيمية الداخلية، فإن اللغة النقدية القوية حضرت لتغطي نقد الوضع السياسي والحقوقي والاجتماعي والقيمي المغربي، ونقد الوضع السياسي والحقوقي العربي، ونقد الاستقواء الغربي والاستكبار العالمي، ونقد تخاذل الحكام وارتمائهم في حضن التطبيع مع الكيان الصهيوني اللقيط كما وصفه البيان. في ما حضر البعد الاقتراحي من خلال مركزة فكرة التعاون، والحوار والتشارك مع الفضلاء والأحرار.

 في المواقف التي عبر عنها البيان:

لقد عبرت الوثيقة عن عدد من المواقف المختلفة، أظلتها مسألتان اثنتان هما: الاستبشار والفرح بنصر الله في غزة، واليقين في التمكين لدين الله تعالى. وحكمها مبدآن اثنان هما: الأمانة الشرعية، والمسؤولية التاريخية، ويمكن الحديث هنا عن أربعة أصناف من المواقف:

1. مواقف تهم الصف الداخلي، وفيها نجد خمسة عناصر أساسية هي:

– التأكيد على الثوابت التربوية الإيمانية في فهم وفعل وحركة الجماعة.

– تثمين الأداء الفردي والمؤسساتي للجماعة.

– التنويه بالفعل السياسي، وبالحضور داخل المجتمع.

– الاعتزاز بالعمل الشوري المؤسساتي.

– الإشادة بحضور الجماعة في مختلف أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني.

2. مواقف تهم الدولة الحاكمة، وتم فيها التأكيد على خمسة أمور هي:

– رفض السلطوية ومظاهر التغول المختلفة المتنامية.

– رفض الفساد والاستحواذ على مقدرات البلاد وتأثير ذلك على الواقع اليومي للمغاربة.

– استنكار المس بمؤسسة الأسرة وبمنظومة القيم.

– رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني البغيض.

– الاستغراب للصمت المريب للمغرب تجاه تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد حول التهجير للفلسطينيين.

3. مواقف تخص الفاعل المجتمعي سواء تعلق الأمر بالفاعل السياسي أو العُلَمائِي أو عموم الشعب، وفيها تم التأكيد على ثلاثة أشياء هي:

– تجديد فكرة ومقترح العمل التشاركي المسؤول لمجابهة الاستبداد والفساد والعبث بقيم المجتمع.

– دعوة العلماء والقوى المجتمعية لتحمل المسؤولية في حماية الأسرة والقيم.

– تثمين فاعلية المجتمع المغربي والشعب عموما وقواه في التضامن مع فلسطين شكلا ومضمونا.

4. مواقف خارجية تخص المنتظم الدولي في شقين: ما يخص القضايا الإقليمية الإسلامية والعربية وعلى رأسها قضية فلسطين، وهنا تم التعبير عن الفرح بالنصر في غزة، والتنديد بازدواجية المعايير الدولية وبالتآمر ضد الإنسان الفلسطيني، وكذا تمت الإشادة بصمود غزة وحاضنتها الشعبية المقاومة، وأيضا إدانة تخاذل الحكام العرب والمسلمين. وسجلت الجماعة أيضا مواقف ترتبط بالوضع السياسي في العالم العربي، حيث تم التأكيد على التنديد بالأحكام الظالمة ضد النشطاء والسياسيين في تونس، ثم التنديد بالتضييق ضد الدعاة في العالم العربي والإسلامي. وفي ما يخص القضايا الدولية، فقد عبرت الجماعة عن موقف الاستهجان للتطرف الأمريكي للرئيس الجديد في تصريحاته ضد غزة وفلسطين، وتم التحذير من مخططات الإبادة والتهجير، كما دعت الجماعة أحرار العالم لتكثيف الوقوف مع الشعب الفلسطيني.

في رسائل البيان:

يبعث البيان بأربع رسائل كبرى تهم ما يأتي:

1. الصف الداخلي، وإليه تم بعث الرسائل التالية، والتي مؤداها أن الجماعة ثابتة لم تتغير، ماضية لم تتبدل:

– الثبات على المحجة اللاحبة في العمل الدعوي التغييري.

– ترسيخ المعاني التربوية في الفهم والحركة والتحليل.

– التأكيد على الموقف الراسخ في مناهضة الاستبداد ومجابهة الفساد.

– التطمين والتعزيز للأداء الفردي والمؤسساتي لعمل الجماعة.

2. الأنظمة الحاكمة والنظام المغربي على الخصوص، وفيها تم الجمع بين:

– الفضح للبنية الاستبدادية للدولة وللحكم باعتبار ذلك رأس البلاء وأسس الفساد، والارتماء في حضن التطبيع والصهينة والتمكين لتخريب قيم المجتمع.

– وبين النصح لهؤلاء بالدعوة إلى الصلح مع الله والرجوع إليه والخوف على آخرتهم.

3. الشركاء والفضلاء المجتمعيين، وهنا تم تجديد فكرة العمل الوحدوي والعمل المشترك، باعتبار ذلك السبيل الوحيد للتأسيس لجبهة مجتمعية عريضة تحدث اختراقات في موازين القوى تسمح ببناء أرضيات ومقترحات للفعل الباني لمغرب الغد.

4. الوعي العالمي الإنساني، وتم هنا تقديم تحذير ودعوة؛ تحذير من الاستكبار العالمي الذي يجر العالم إلى التطرف، والدعوة إلى الحاجة الماسة إلى حلف إنساني عالمي لمجابهة التغول الاستعماري الجديد والإبادة الجماعية والجرثومة الصهيونية.

خاتمة:

لقد عبر البيان الذي أصدرته جماعة العدل والإحسان في نهاية أشغال مجلس الشورى عن مطمح كبير، ومطمع عال في أن تكون الجماعة إلى جانب أخيار الأمة الملاذ الأخلاقي والسياسي، والحضن الجامع، والفضاء الرحب لكل المغاربة، مع التنصيص على ثباتها على نهج الدعوة بالرحمة والرفق والحكمة وبالتي هي أحسن، وعلى السعي إلى توطيد الرحم الإنسانية ومعاني التعاون والإخاء، وإحياء العدل، والكرامة، والحرية. وهي بهذه المعاني تجدد حرصها على نهجها الدعوي الرفيق، وأفقها الرحب، وأملها في أن تتوطد جهود الأحرار والفضلاء للاشتغال المشترك على بناء البنية العدلية التي تسمح للإنسان بسماع نداء الإحسان، نداء الفطرة في عالم هدار موار.