توطـئة
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلاّ على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى أله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبــعـد؛
فما زال طلبة العدل والإحسان الاثنى عشر منذ 14 سنة خلت موضوع نقاش متعدد الوجهات بين من يعتبرهم معتقلين سياسيين جراء جريمة ارتكبت نتيجة صراعات سياسية، وبين من يرى أنهم معتقلو رأي انتهكت حرماتهم وصودرت حريتهم بسبب آرائهم وانتمائهم السياسي، وبين رأي يكاد يكون شاذا يرى أنهم مجرمو حق عام ارتكبوا جريمة شنعاء تعبيرا عن شذوذهم داخل النسق المجتمعي، وإن المحكمة كانت بهم رحيمة عندما قضت عليهم بمجرد 20 سنة سجنا.
والحقيقة، أنه وإن كان لكل رأي خلفياته، وأيضا حمولات أصحابه الفكرية والسياسية على الخصوص، فإنه لم يسبق أن طرحت للنقاش قراءة لملف هؤلاء الطلبة على ضوء موازين حقوق الإنسان، ومن خلال بحث مدى سلامة المسطرة ومناقشة حجيتها. وكذا بحث مدى احترام ضمانات المحاكمة العادلة في مختلف أطوار المحاكمة، والأهم كذلك دراسة مبنى الحكم الصادر في ملف القضية دراسة نافدة موضوعية لا ولاء لها سوى سيادة القانون وكرامة الإنسان، لأنه لا يضير احدنا إفلات أحد من العقاب، بقدر من يضيرنا جميعا الافتئات على حرية الناس، وإلقاء القبض عليهم بدون وجه حق، ومحاكمتهم خارج إطار القانون، ونظل نحن معاشر الحقوقيين نتفرج صامتين ارضاءا لرغبات خلفياتنا السياسية أو الفكرية.
ثم إنه أيضا لم يسبق أن فتح نقاش موضوعي مؤطر بمنطق الأدبيات الحقوقية، للوقوف على طبيعة اعتقال هؤلاء الطلبة وصفتهم تبعا لذلك، وبالتالي إمكانية تبني ملفهم من عدمه، فلربما كانوا حقيقة معتقلي رأي ويستحقون منا أن نقول جميعا بصوت واحد “أطلقوا سراحهم فورا”.
هذه الورقة رسالة هادئة لكل متشبع بحقوق الإنسان، وغيور على كرامة وحرية، وحرمة بني الإنسان.
رسالة أيضا لكل مهتم بملف طلبة العدل والإحسان الإثني عشر إما قبولا أو رفضا قصد التعرف على كل شيء بخصوص قضية شكلت الاستثناء في زمن العهد الجديد والعفو الشامل والمصالحة…..
والورقة أيضا إرادة التعريف بالموقف من طبيعة اعتقال هؤلاء الطلبة وصفتهم بناءا على اعتبارات حقوقية ومهنية موضوعية لا غير، أحاول من خلالها إلقاء الضوء الكاشف على الملف في جميع مراحله بدءا بالبحث التمهيدي، وانتهاء بمرحلة الاستثناء الدائم والعفو الهامل على الدوام، قبل الوقوف ختاما على طبيعة محـاكمتهم، وبالتالي على الصفـة التي بها نتبـناهم كمعتقـلين، متمنيا أن يكــون محط نقـد موضوعي ونقاش حقوقي صادق عند الاقتضاء.
أولا: التقييم الحقوقي لمرحلة البحث التمهيدي
وهنا وجب أن نسجل بأن مرحلة البحث التمهيدي عرفت خرقا خطيرا للحقوق الأساسية التي تضمنتها التشريعات، دولية كانت أم محلية للمشتبه فيه، ليس فقط من خلال طبيعة معاملة الطلبة خلال هذه المرحلة، وإنما في سائر أطوار البحث التمهيدي المنجز من طرف الشرطة القضائية، بدءا بالطريقة التي تم بها توجيه أصابع الاشتباه والبحث اتجاه الطلبة (النقطة الأولى) عروجا على الطريقة التي تم بها إلقاء القبض ومدى قانونيتها (النقطة الثانية) وكذا مدى سلامة إجراءات الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية (النقطة الثالثة) وانتهاء بمدى احترام الشرطة القضائية لضمان السلامة البدنية والنفسية للطلبة أثناء مرحلة البحث (النقطة الرابعة) مع ما يترتب عن ذلك من آثار وتساؤلات وجب عرضها للنقاش والتحليل.
1- عدم احترام تراتبية البحث التمهيدي
إن أعمال الشرطة القضائية منظمة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية ليس فقط من ناحية تبيان وسائلها ومساطرها وآجالها، وإنما أيضا في رسم خطة عملها المؤطرة للبحث التمهيدي، بدءا بتلقي خبر الجريمة وانتهاء بتقديم المشتبه فيه إلى سلطة الاتهام.
وخطة العمل هاته جاءت صريحة في الفصول الأولى المرتبطة بتعريف الشرطة القضائية ومهامها، الشيء الذي يجعلها خطة عمل من النظام العام خصوصا وأن الذي نص عليها هو قانون المسطرة الجنائية الذي هو قانون إجراءات أول ما يتوخى احترامه هو حرية الأشخاص، وهو السبب إلي دفع أغلب الفقه إلى تسميته “بقانون الأبرياء”.
فالمشرع المغربي حدد للشرطة القضائية كيفية ممارستها لأعمالها، وهو بذلك يضع للنيابة العامة وللقضاء من بعدها كيفية بسط رقابتها على أعمال الشرطة القضائية وتقدير قيمتها حجية وبطلانا، بحيث نص الفصل 16 من ق م ج القديم المقابل للفصل 18 من ق م ج الجديد على أنه “يعهد إلى الشرطة القضائية حسب الوجوه المتباينة المقرر في هذا الجزء بالتثبت من وقوع الجرائم، وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها…””
وعليه فعمل الشرطة القضائية لا يمكن أن يخرج أو يتجاوز هذه الترابية التي رسمها الفصل 18 حسب الشكل التالي:
1 – التثبت في وقــوع الجريــمــة.
2 – جمــــــــع الأدلــة عنها.
3 – البحث عن مرتكبــــــــيها.
ففي هذه المرحلة تقف الشرطة القضائية على الدليل الدال على وقوع الجريمة ثم الدليل على ارتكابها وبالتالي تحقق الاقتناع المادي الملموس من شخص مرتكبها.
ويجب أن تكون هذه المراحل كلها:
1 – خارج ذات ضابط الشرطة القضائية.
2 – خارج ذات المتهم -المشتبه فيه-.
لأنها مرحلة البحث الموضوعي وجمع الأدلة المادية وليست الأدلة القولية للمشتبه فيه، أو أهواء ضابط الشرطة القضائية الشخصية أو غيرها من الأهواء والظروف التي تخرج البحث من المادية إلى الذاتية الشخصية أو المؤسساتية.
ومرحلة جمع الأدلة المادية الدالة على ارتكاب الجريمة وعلى شخص مرتكبها تظل خاضعة لرقابة القضاء ويظل ضابط الشرطة القضائية ملزم بتفصيلها تفصيلا دقيقا تحت طائلة بطلان المسطرة لأن المشرع جعلها مرحلة مادية بامتياز، ليس فقط حماية للمشتبه فيه -المواطن- وإنما أيضا حماية للعدالة، لأن المتهم حينما ينكر أمام المحكمة أو في جميع المراحل فان سلطة الاتهام تدافع حماية للعدالة، وتواجهه بالأدلة المادية التي تثبت قيام الجريمة ونسبتها إليه -أدلة مادية محضة-.
وعلى النقيض من كل هذا!!!
فإن المسطرة المنجزة في الملف جاءت معاكسة لهذه التراتبية، وبدؤها من الجهة المعاكسة هو خرق للقانون ومس بحرية الأشخاص وضرب لحق الدفاع.
فإذا طالعنا محضر الشرطة القضائية نجد محرره قد لخص مرحلة جمع الأدلة عن الجريمة والبحث عن مرتكبها في عبارة “تحريات أولية”.
فهل عبارة «تحريات أولية” أدلة مادية؟
وهل عبارة “تحريات أولية” خاضعة لرقابة القضاء؟
وهل من تمام حماية العدالة أن المشتبه فيه عندما يمارس حقه في الدفاع وينكر أمام المحكمة، ويقتضي الأمر مواجهته بالدليل المادي الدال على ارتكابه للجريمة الذي خلص البحث إليه قبل إلقاء القبض عليه، والذي لا يعتبر دليلا قوليا صادرا عن ذات المتهم، نواجهه ب” تحريات أولية”؟
لا، ليس من العدالة في شيء، وليس من المنطق في شيء، وليس من النزاهة في شيء.
أول مرحلة إذا بدأ بها البحث في الملف بعد وقوع الجريمة، هي إلقاء القبض على المشتبه فيهم – الطلبة – وذلك دون قيام الدليل المادي الخاضع للرقابة والنقاش والدال يقينا على ارتكابهم للفعل الجرمي.
وهو الأمر الذي يدل دلالة قاطعة ليس بوجدان المتشبع بحقوق الإنسان والمدافع عنها وإنما بوجدان كل قارئ أو سامع موضوعي، أن إرادة القبض على الطلبة كانت سابقة لارتكاب الفعل الجرمي، أو بصريح العبارة أن الجريمة ارتكبت ليلقى القبض على هؤلاء الطلبة، وهو خرق سافر لحقوق الإنسان ومس خطير بكرامة المواطنين، ولعب خطير بقداسة العدالة.
إن المجرم المجهول الذي وصل خنجره يوما ما ليقتل مناضلا مغربيا بفرنسا -المهدي بن بركة- لحماية مصالحه السياسية، ليس بعزيز عليه أن يقتل طالبا بوجدة ليلقي بمناضلين في غياهب السجون حماية لمصالحه السياسية مرة أخرى.
ثم إن المجرم المجهول هذا اختار الطالب المعطي بوملي بعناية فائقة خصوصا وأن إحدى الجرائد قد نشرت أياما قليلة قبل الواقعة مقالا يتحدث عن الصراعات الداخلية للعناصر القاعدية والعلاقة السيئة للمعطي بوملي بها، الشيء الذي سيجعل وفاته أو مقتله في تلك الفترة سيفا ذو حدين سيسلط على الجهة التي لن تسلم بالتدجين وتخضع له، إما باسم الصراعات الداخلية في هذا الجانب وإما باسم الصراع الاديولوجي في الجانب الآخر.
سعيــد بــــوزردة
محام الطلبة الاثنى عشر
عضو الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان