1 – كيف تكون إيجابيا في تدبير الاختلاف؟
حين تكثر المشاحنات وتكثر المنازعات المفضية إلى عداوات وحروب وهمية كل يريد الانتصار لفكرته ولو بالمراوغة والكذب والتلفيق يصبح التفرج بدون تدخل لمعالجة الخلل قبل تفاقمه مشاركة في “الجرم”، فلم نضيق ما جعله الله واسعا؟ ولماذا نحول الصورة الوردية إلى سواد كالح؟ فهل أصبح كل رأي مخالف يستوجب دق طبول الحرب لردعه وصده وكأنه عدو كاسح؟ فهل نحن راضون عن طريقة تدبير الاختلاف/الخلاف؟ وهل تحولت المواقع الاجتماعية (فايسبوك، تويتر، …) من منتديات اجتماعية للاتصال والتواصل الهادف إلى حلبات للمصارعة وتصفية الحسابات الإيديولوجية وإحياء النعرات العصبية؟
فالمتتبع لسير النقاشات الفايسبوكية يلمس خروجا عن الهدف الذي أنشئت من أجله، فالسمة الغالبة هي التشنج التعصبي والاتهام والاتهام المضاد وصولا إلى التخوين والتخوين المضاد. ففي وقت مضى كانت مثل هاته الممارسات تجد لها تبريرا في قلة الوعي والتكوين وكذا محدودية أفق أصحابها، أما الآن وبحكم أن جل المتحاورين يتوفرون على مستويات تعليمية راقية وتكوين فكري لابأس به وأدوات لغوية عصرية تفهم الإشارة قبل العبارة، وقد كان أولى بها أن تكون في مستوى اللحظة، وتعكس صورة متميزة للجيل المتنور المنفتح على مختلف الآراء والمواقف بدون حساسية زائدة تجاه الرأي المخالف. نعم قد يحصل الاختلاف في التقدير والتحليل انطلاق من تباين زوايا النظر، لكن لا يمكن أن يكون هذا مبررا لإمطار الخصم بسيل من الاتهامات بالعجز والخيانة وقصور الفهم وسوء النية و… فلكل وجهة نظر تحترم وقابلة للنقاش الجاد والمسؤول والتعديل إن تطلب الأمر ذلك، فالحقيقة تبقى مبتغى كل طرف فحيثما وجدها فهو أحق بها ولو جاءت على لسان الخصم العنيد.
2 – كيف تكون ايجابيا في تحريك ملف نزاع مهني؟
حين تصبح ردات الفعل تجاه فقدان مكتسب أو ضياع حق سلبية لدرجة بقائها حبيسة الهمسات الخافتة ورواجها في سوق الهرج والمرج فالمرء لا يمكنه البقاء عاجزا دون إدلائه بدلوه في المجال فربما يكون سببا في إعادة تقويم العلاقات المهنية العمودية عبر السلم الإداري.
فالغالب على ردات الفعل هو عدم فاعلية الآلية الإدارية لمعالجة النزاعات المهنية البسيطة أو تدبير الملفات المعقدة، واقتصارها على التشكي والاتهام بسوء النية وإصدار الحكم حتى قبل تفعيل آلية المراسلات الإدارية التي تبقى حقا طبيعيا لكل متضرر تبين له أنه أصابه حيف أو ظلم مهني، لكن الأصوب هو الأخذ بالأسباب واستعمال الوسائل المتاحة لاستكشاف الأمر أولا عبر طرق الأبواب المختصة بواسطة المراسلات المرفوعة عبر السلم الإداري إلى المسؤولين المباشرين وانتظار الرد مع معاودة التذكير إن تعذر ذلك، مع إشراك المندوب النقابي بتسليمه نسخا من المراسلات الإدارية لتفعيل دوره كممثل نقابي وإعادة الاعتبار للممارسة النقابية الجادة والمسؤولة على أرضية واقعية لا تحليقا في العالم الافتراضي المجرد، وهنا قد يختلف معي البعض في مدى جدوى وجود “الدكاكين” النقابية والتي تم تحجيم دورها في عملية “بيع” بطائق الانخراط مع كل موسم جديد، وهنا أشاطركم الرأي إن كان دورها كذلك، ولكن كذلك لا ننسى بأن الكل يتحمل جزء من مسؤولية تدني الفعل والممارسة النقابية المسؤولة، نظرا لغياب المتابعة والمحاسبة، وبالتالي تصدى للشأن النقابي بعض الوصوليين والباحثين عن قضاء مآربهم ومصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة وهذه الطينة موجودة فعلا مستغلة الفراغ، لكن بالمقابل هناك أيضا شرفاء يتحركون ولو في صمت لزحزحة بعض الملفات المهنية العالقة إبراء لذمتهم أمام الله عز وجل وأمام من استأمنوهم واختاروهم لمباشرة الفعل النقابي النظيف، وهؤلاء يستحقون منا كل تقدير لأنهم أبوا إلا أن يحافظوا على نبل الممارسة النقابية الجادة والمسؤولة.
3 – المصداقية المهنية رأس مال ثمين
أثناء الممارسة المهنية اليومية غالبا ما تحصل للمستخدم بعض النزاعات مع الإدارة المشغلة والمتعلقة بطبيعة المهنة وظروف العمل بها، أو المتعلقة بحق أو مكتسب تم التراجع عنه بمبررات إدارية والتي تضطر المستخدم للدخول في سلسلة من الخطوات المسؤولة ملتمسا تسوية عادلة أو استرجاع الحق المسلوب، وهذه الخطوات ليست عيبا أو انتقاصا من كفاءة المستخدم أو مهنيته بل بالعكس فهو ثقافة ايجابية وجب تشجيعها لأنها تعكس نضج المستخدم وبعد نظره عبر تفعيل الآلية الداخلية (مراسلات، شكايات، طلب مقابلات…) عوض المغامرة في خطوات ارتجالية عفوية غير محسوبة العواقب، وكذا عبر طرقه للأبواب المختصة بشكل مسؤول بحثا عن جواب مقنع أو مبرر واقعي للمشكل المطروح في أفق حله. لكن هاته الايجابية في المبادرة قد تفقد قوتها الذاتية المؤثرة لو كانت وضعية المستخدم غير مشرفة مهنيا أو سلوكيا. فلكي يكون المستخدم في موقع قوة عليه أن يتحلى بروح المسؤولية وينجز مهامه بكل مهنية ووفقا للقوانين المنظمة وإلا يدع ثغرة تدخل من رياح العبث بكل مساره ومصداقيته أمام مرؤوسيه. فنصف القوة تستمد من المصداقية لأنها تجلب استحسان الرئيس المباشر صعودا إلى ما دونه في السلم الإداري وبالتالي تكون الحجية قوية أخذا بأسلوب المطالبة المسؤولة والواقعية وقياما بالواجب المهني المتميز.
4 – تحرير المبادرات وتشجيع الكفاءات ضمان لاستمرارية ريادة المؤسسة
إن نجاح أي مؤسسة أو مقاولة مهنية مرتبط بمدى حيوية العاملين والمستخدمين بها ومدى حبهم ورضاهم على المهنة التي اختاروها أو تم توجيههم لمباشرتها، هذه الحيوية تنعكس إيجابا على جودة الخدمات المنجزة والمردودية المتميزة، وكذا على الوضعية الاجتماعية للعاملين والمستخدمين التي على المسؤولين على تسيير المؤسسة أو المقاولة أخذها بكثير من الاهتمام، وذلك بتحرير المبادرات الفعالة لمستخدميها واعتماد سلاسة وليونة في عملية الترقي العمودي للطاقات التي برهنت عمليا على كفاءتها وقابليتها لمباشرة مهام أكثر مسؤولية استفادة من خبرتها الميدانية وضمان عدم طمس همتها وإجبارها على فقدان الثقة في المؤسسة وإشاراتها التشجيعية. نعم في بعض الحالات يحدث انحباس وجمود في عملية الترقي بدعوى عدم توفر المناصب الشاغرة في بعض التخصصات المهنية، لكن في المقابل تعرف تخصصات أخرى مرونة زائدة وتحرك لعجلة الترقي العمودي مما كرس نوعا من التفاوت الغير العادل بين المستخدمين المتوفرين على نفس المؤهلات والشهادات والكفاءات مما يخلق نوعا من التذمر النفسي لدى الفئة المنحبسة. وهذه إشكالية مع تناسلها تصبح ظاهرة غير سوية وجب إيجاد صيغة منطقية لمعالجتها ومنها تحرير عملية التنقل الأفقي بين المهام والمهن ولو بالانتقال إلى تخصصات مهنية أخرى وبالتالي خلق جو من التنافسية الايجابية والدينامية المهنية داخل المؤسسة ودفع المستخدمين لتطوير كفاءاتهم المهنية رفع أفق نظرتهم لواقع مؤسستهم وخلق الشعور بالمسؤولية والفاعلية عوض الاستسلام لـ”الروتين” السلبي الممل الذي قد يصبح عدوى متنقلة عبر الأجيال تنخر جسم المؤسسة من الداخل فتفقدها ريادتها وتفوقها. فالعامل البشري ركن أساسي في البناء المؤسساتي ولا يمكن استقامة البنيان والركن أعوج أو متآكل.