ليلة القدر

Cover Image for ليلة القدر
نشر بتاريخ

من كرم الله عز وجل على الأمة المحمدية أن جعل لها على مر الدهر مواسم خير يتجرد فيها العبد من مشاغل الدنيا لمشاغل الآخرة. مواسم يكثر فيها المؤمن من العمل الصالح ويضاعف فيها جهده في العبادة والطاعة، ومن بين هذه المواسم ليلة القدر.

يقول الله عز وجل في سورة القدر إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربها من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر . وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرمها فقد ُحرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم”.

سبب التسمية

قيل: جاء اسمها من القدر، وهو أسمى ما يتصور من الشرف والفضل وتسامي المكانة. كما نقول فلان ذو قدر عظيم أي ذو شرف.

وقيل: سميت كذلك لأنها يقدر فيها الأموات والأحكام كلها من تلك السنة إلى السنة المقبلة، “قيل للحسن ابن الفضل أليس أنه قدر الله المقادير قبل أن تخلق السماوات والأرض؟ قال: نعم. قيل له: ما معنى ليلة القدر؟ قال: سَوْق المقادير إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدر”. يقول الله عز وجل فيها يفرق كل أمر حكيم (الدخان، 4).

وقيل: القدر بمعنى الضيق، لأن الأرض تضيق تلك الليلة لكثرة نزول الملائكة عليها: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر.

وقيل: سميت بالقدر لأنه أنزل فيها القرآن الذي هو ذو قدر عظيم.

فـضـلـها

– هي ليلة مباركة أنزل الله فيها القرآن قال عز وجل: إنا أنزلناه في ليلة القدر  (سورة القدر، 1)، وقال سبحانه: إنا أنزلناه في ليلة مباركة (الدخان، من الآية 3).

– العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر؛ قال مجاهد: “عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر”.

– تنزل الملائكة ومعهم جبريل عليه السلام إلى الأرض في تلك الليلة، بأمر ربهم بالرحمة والسلام وإجابة الدعوة. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “‏إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى”.

– فيها يغفر الله الذنوب لمن قامها إيمانا واحتسابا، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنب”.

وقد اختلف العلماء في تعيين ليلة القدر، فمنهم من قال إنها في ليلة إحدى وعشرين، ومن ذهب إلى أنها في ليلة سبع وعشرين… وأورد الإمام ابن حجر رحمه الله في كتابه “فتح القدير” مجموعة من الأحاديث نذكر منها: عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنه أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا ليلة القدر في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر”.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه، وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله؛ “كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، وقد أُريت هذه الليلة ثم أنسيتها، فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين”، فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت، فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين، فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه حين انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء”.

وعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هي في العشر الأواخر، هي في تسع يمضين أو في سبع يبقين يعني ليلة القدر”. قال الإمام ابن حجر رحمه الله: وأرجحها كلها – أي الأقوال التي تحدثت عن تعيين ليلة القدر – أنها في وتر من العشر الأخيرة، وأنها تنتقل كما يفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها أوتار العشر”.

والسر في إخفائها على الأمة أن يجتهدوا في العبادات في جميع ليالي رمضان طمعا في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة والصلاة الوسطى في الصلوات الخمس والاسم الأعظم في الأسماء. والمطلوب منا هو أن نلتمسها في العشر الأواخر من رمضان، وخاصة في الوتر منها، عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول: “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”.

عـلاماتها

طلوع الشمس في صبيحتها من غير شعاع؛ جاء في صحيح مسلم عن أبي بن كعب “إن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها”. ليلتها تكون معتدلة ليست باردة ولا حارة، روى ابن خزيمة رحمه الله عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا: “ليلة القدر طلقة لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة”، وفي هذه الليلة تعم الطمأنينة القلوب وتنشرح النفس لذكر الله عز وجل.

هديه صلى الله عليه وسلم فيها

عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: “‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها”. وعنها رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله”.

وكان صلى الله عليه وسلم يحيي الليل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، ويدعو سائر المسلمين ليحذوا حذوه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنب”.

وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء، وكان خاصة دعائه: “أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك”، وكذلك “ربّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار”. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: “قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”.

فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.