الأستاذ الحسن السني، عضو هيئة الدفاع
أصدرت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 2024.12.10 حكما بالحبس سنة نافذة وغرامة 5.000 درهم في حق اسماعيل الغزاوي علاقة بما نسب إليه من تسجيل فيديو يظهر فيه وهو يتكلم بعبارات اعتبرتها المحكمة تحريضا على ارتكاب جنح وجنايات.
بعد الاطلاع على تعليل الحكم الابتدائي، تأكد ما أوضحناه في مرافعاتنا من أن المسطرة شابتها مجموعة من الخروقات المسطرية، فضلا عن أن كلام المتهم لا يشكل في حد ذاته أي تحريض معاقبا عليه قانونا.
1. فيما يتعلق بالدفوع الشكلية والطلبات الأولية:
أ. بخصوص طلب عرض محتوى القرص المدمج:
بالرجوع إلى وثائق ملف اسماعيل الغزاوي، يتضح أنه استند على شريط فيديو “مدته 56 ثانية، صور بالشارع العام، يظهر من خلاله اسماعيل الغزاوي وهو يقوم بتوجيه الكلام للمارة محرضا إياهم”، حسب ما جاء في محضر تفريغ الشريط.
وخلال المحاكمة، بجلسة 03/12/2024 طلب الدفاع عرض الشريط بالجلسة، حتى يتضح سياق الكلام وظروفه وملابساته، خاصة وأن الظنين أوضح أنه لم يقصد به تحريض المارة، بقصد ما كان يعبر عن رأيه في الموضوع بصوت مرتفع.
وأن المحكمة بجلسة 10/12/2024 قررت إرجاء البت في الطلب إلى حين مناقشة الموضوع.
وأن المحكمة بعد مناقشة القضية مع المتهم، قررت صرف النظر عن الطلب.
وحيث باعتبار هذه الوثيقة من الحجج المعتمدة في الملف، ومضمنة بمحضر الضابطة القضائية.
وحيث إنه لا يمكن للمحكمة أن تبني قرارها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها طبقا للمادة 287 من ق.م.ج.
الشيء الذي جعل عدم عرض شريط الفيديو بالجلسة، حتى تتم مناقشته شفهيا وحضوريا، خرقا للمادة 287 من ق.م.ج وإخلالا بضمانات المحاكمة العادلة.
ب. بخصوص انعدام حالة التلبس:
حيث بالرجوع إلى محضر الاستنطاق أمام السيد وكيل الملك، يتضح أنه استمع للظنين في إطار مسطرة التلبس بالجريمة، طبقا للمواد 47 و73 و74 و385 من ق.م.ج.
وحيث نتج عن ذلك اتخاذ مجموعة تدابير في حق العارض، أهمها إصدار أمر بإيداع الظنين في السجن ومتابعته في حالة اعتقال طبقا للمادة 74 من ق.م.ج.
لكن حيث إنه بالرجوع إلى المحضر المنجز من طرف الضابطة القضائية والوثائق المرفقة به، والوقائع المرتبطة بالنازلة، يتضح أن الأمر بخلاف ذلك، للاعتبارات الآتية:
أولا: حيث إن حالات التلبس ورد سردها حصريا بمقتضى المادة 56 من ق.م.ج.
وحيث إنه لا يجوز التوسع في فهم نصوص قانون المسطرة الجنائية، كما لا يجوز إعمال القياس أو التأويل، إلا إذا كان ذلك لفائدة المتهم.
وحيث إن حالات التلبس الواردة في المادة 56 من ق.م.ج لا تنطبق على ملف النازلة.
وحيث فضلا عن ذلك، فإن ملخص حالات التلبس الواردة في المادة 56 من ق.م.ج أن ضبط المشتبه به وتوقيفه والمبادرة الميدانية تكون بالضرورة سابقة عن ربط الاتصال بالنيابة العامة وتلقي تعليماتها.
وحيث إن البحث في حالة التلبس يكون تبعا لذلك بمبادرة ضابط الشرطة القضائية الذي أشعر بحالة التلبس أو عاينها طبقا للمادة 57 من ق.م.ج، شريطة إخبار النيابة العامة.
وحيث إن الأمر بخلاف ذلك في حالة البحث التمهيدي في غير حالة التلبس، حيث إن النيابة العامة في شخص وكيل الملك أو الوكيل العام للملك، بناء على محاضر أو شكايات أو وشايات، هي التي تبادر الى إصدار تعليمات بإجراء بحث مع كل شخص يشتبه في تورطه في أفعال مخالفة للقانون، من خلال بحث تمهيدي ينجزه ضباط الشرطة القضائية تحت إشرافها.
وحيث بالرجوع إلى وثائق الملف الحالي، نجد أن البحث أنجز بناء على التعليمات الصادرة عن السيد الوكيل العام بمقتضى الإرسالية عدد 142 س 2024 ق.خ بتاريخ 08/11/2024.
وحيث ورد في الإرسالية المذكورة، تعليمات من الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بالرباط، طلب “… فتح بحث بالاستماع إلى المعني بالأمر وإلى كل من سيفيد في الوصول إلى حقيقة الأمر…”.
وحيث يتضح إذن، تبعا لذلك، أن الإجراءات أنجزت في إطار البحث التمهيدي وليس في إطار حالة التلبس.
ثانيا: أن ما يؤكد ذلك، أن الضابطة القضائية، أنجزت جميع الإجراءات المتعلقة بالملف، في إطار البحث التمهيدي.
ذلك أن الضابطة القضائية انتقلت إلى مقر سكن الظنين، وبلغته باستدعاء للحضور إلى مقرها قصد الاستماع إليه.
وحيث إن الضابطة القضائية بلغت الظنين بالاستدعاء في البداية، دون أن تحتفظ به أو تلقي عليه القبض وتضعه تحت تدابير الحراسة النظرية.
وحيث إن الضابطة القضائية أشارت في جميع المحاضر المنجزة من قبلها أنها تتعلق بالبحث التمهيدي، كما هو الحال في محضر تفريغ محتوى شريط فيديو، ومحضر الاستماع إلى الظنين يوم 19/11/2024، والمحضر الثاني للاستماع إلى الظنين يوم 20/11/2024.
ثالثا: حيث إن إجراءات البحث والاستماع للظنين، تمت في البداية تحت إشراف السيد الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط.
وحيث أحيط السيد الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط علما بالإجراءات المنجزة وبنتائج البحث التمهيدي المتوصل إليها، وبأن الإجراءات أنجزت في إطار البحث التمهيدي، فلم يعترض على ذلك، ولم يصدر تعليماته بخلاف ذلك، وأقره بمقتضى محضر ربط الاتصال بالنيابة العامة بتاريخ 19/11/2024.
وحيث إن مجموع ما سبق، يؤدي إلى أن المسطرة الحالية أنجزت في إطار البحث التمهيدي وليس حالة التلبس.
وحيث إن ما خلص إليه السيد وكيل الملك من وصف للنازلة بكونها حالة تلبس، هو وصف مخالف للواقع وللقانون، وخاصة المواد 47 و56 و57 و74 من ق.م.ج.
وحيث نتج عن تطبيق السيد وكيل الملك لحالة التلبس، تطبيق مجموعة إجراءات حادة من حرية العارض وماسة بقرينة البراءة، خاصة منها:
الأمر بالإيداع بالسجن
والمتابعة في حالة اعتقال.
وحيث إن القول بانعدام حالة التلبس، يفضي بالضرورة إلى القول ببطلان محضر الاستنطاق المنجز من طرف السيد وكيل الملك، وكذلك بطلان الأمر بالإيداع بالسجن والمتابعة في حالة اعتقال المؤسسين على حالة التلبس، ورفع حالة الاعتقال عن العارض ومتابعته في حالة سراح.
الشيء الذي يجعل الحكم القاضي برفض الدفع، حكما مجانبا للصواب ومخالفا للقانون.
ت. بخصوص خرق الفصل 24 من الدستور والمواد 108 وما يليها من ق.م.ج:
حيث بالرجوع إلى محضر تفريغ محتوى شريط فيديو المنجز بتاريخ 19/11/2024 يتضح أنه بناء على تعليمات السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط عدد 142 س 2024 ق.خ بتاريخ 08/11/2024 يقوم الضابط بإجراء تفريغ لمحتوى شريط فيديو متداول على منصة الواتساب مدته 56 ثانية.
وحيث جاء في ديباجة المحضر أيضا أنه “في إطار المجهودات التي تقوم بها المديرية العامة للأمن الوطني… تم رصد شريط فيديو متداول على منصة الواتساب …”.
وحيث إن منصة الواتساب هي منصة تواصل عن بعد وتبادل الرسائل والمكالمات.
وحيث إنها بهذا الاعتبار، خاضعة لمقتضيات الفصل 24 من الدستور والمادة 108 من ق.م.ج.
وحيث إن رصد محتوى الاتصالات عبر الواتساب، والإذن بولوج منصة الواتساب، وتسجيل المكالمات المنجزة بواسطتها وأخذ نسخ منها وحجزها، يجب أن يستجيب لشروط المادة 108 من ق.م.ج، وخاصة الحصول على أمر السيد الرئيس الأول بتسجيل الاتصالات وأخذ نسخ منها وحجزها…
وحيث إن الثابت من المحضر أنه تم رصد اتصالات عن بعد عبر تطبيق الواتساب، وتسجيل محتوى الاتصالات وأخذ نسخة منها، دون احترام للفصل 24 من الدستور وللمادة 108 من ق.م.ج وفي خرق لها.
الشيء الذي يجعل المحضر المنجز، والعمليات المتعلقة برصد وتسجيل محتوى الاتصالات وأخذ نسخة منها، باطلا والحكم القاضي برفض الطلب بخصوصها معيبا ويتعين إلغاؤه.
ث. بخصوص بطلان محضر تفريغ محتوى شريط فيديو لخرقه للمواد 24 و751 من ق.م.ج:
حيث بالرجوع مرة أخرى إلى محضر تفريغ محتوى شريط فيديو المنجز بتاريخ 19/11/2024 يتضح أنه بناء على تعليمات السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط عدد 142 س 2024 ق.خ بتاريخ 08/11/2024 يقوم الضابط بإجراء تفريغ لمحتوى شريط فيديو متداول على منصة الواتساب مدته 56 ثانية.
لكن حيث إن إجراءات الضابطة القضائية، يجب أن تتسم بالوضوح والشفافية، الكفيلين بالوصول إلى الحقيقة.
وحيث إن محضر التفريغ تضمن غموضا لا ينسجم مع طبيعة عمل الضابطة القضائية، وفق التحديد الوارد في المادة 24 من ق.م.ج، اعتبارا لما يلي:
ذلك أن محضر التفريغ أشار إلى أن الفيديو متداول على منصة الواتساب.
وحيث إنه معلوم أن منصة الواتساب ليست مفتوحة للعموم، ولكن المجموعات المؤسسة بها، مجموعات مغلقة يتم إنشاؤها والدعوة إلى الانضمام إليها مباشرة وفرديا بدعوة خاصة وبقبول المدعو.
وحيث فضلا عن ذلك فإن مجموعات الواتساب، بخلاف باقي وسائل التواصل الاجتماعي، ترتبط بالضرورة برقم هاتفي، لا يمكن الولوج إلى الخدمة إلا عبره.
وحيث إن الضابط لم يوثق:
· اسم مجموعة الواتساب التي اطلع عليها
· ولا رقم الهاتف الذي خول له الولوج
· ولا طبيعة المجموعة التي نشر بها الفيديو
· ولا رابط الولوج إلى المجموعة.
وحيث اختتم المحضر بالإشارة إلى أن الظنين قام بنشر الفيديو بإحدى المجموعات الفيسبوكية.
وحيث لم يتم تحديد اسم المجموعة الفيسبوكية ولا عنوانها الإلكتروني ولا تعريفها ولا طبيعتها هل هي مجموعة مفتوحة أو مغلقة، ولم يتم الولوج إليها ولا التأكد من ذلك النشر.
وحيث إن عمل الضابط، في هذا الشق من المحضر، اتسم بالغموض والنقص وعدم الدقة، التي لا تساعد حتما على الوصول إلى الحقيقة، وبناء الحكم على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين.
وحيث إن محضر التفريغ، تبعا لذلك، مخالف للمادتين 24 و751 من ق.م.ج.
الشيء الذي يتأكد معه أن الحكم الذي قضى طلب بطلان محضر تفريغ محتوى شريط فيديو المنجز بتاريخ 19/11/2024 حكم مخالف للقانون.
2. فيما يتعلق بالأفعال موضوع المتابعة:
لابد أن نلاحظ، في معرض الحديث عن موضوع المتابعة، أن كلام اسماعيل الغزاوي، لا يشكل في حد ذاته أي تحريض معاقبا عليه قانونا.
ذلك أن التحريض بمفهوم الفصل 299.1 من ق.ج لا يقوم إلا بوجود جنحة أو جناية محرض عليها.
وبالرجوع إلى الكلام المنسوب للمتهم، يتضح أنه لا يدعو إلى ارتكاب أية جنايات أو جنح. والمحكمة عندما قضت بإدانته، أوردت في تعليلها ألفاظا مخالفة لما فاه به اسماعيل.
فاسماعيل قال في الكلام المنسوب إليه: “حتى حنا المغاربة خاص يسيل دمنا” والمحكمة أوردت في تعليلها أنه دعا إلى الجهاد “وإسالة الدماء”.
وحيث إنه شتان بين أن “يسيل دمي” في سبيل الله وفي سبيل القضية الفلسطينية، وهو مطلب جل المغاربة الذين ما فتئوا يرفعون في كل وقفة ومسيرة “بالروح بالدم نفديك يا غزة”، وبين الدعوة إلى أن “تسيل الدماء”.
والملاحظ هنا أن المحكمة لم تكتف بتفسير كلام المتهم، أو تأويله، ولكنها ذهبت أبعد من ذلك، ونسبت له ما لم يتلفظ به، في خرق واضح للقانون الذي يلزم المحكمة أن تحاكم الأشخاص بناء على ما صدر عنهم، وليس بناء على ما يمكن أن يفهم من كلامهم، ولو على حساب المباني والألفاظ.
والأكيد أن المحكمة لو وقفت عند الألفاظ المستعملة والثابتة في كلام اسماعيل، لكان حريا بها أن تقضي ببراءته من المنسوب إليه جملة وتفصيلا.
والملاحظة الثانية أن المحكمة لم تبرز موقفها من باقي ما ورد في المتابعة.
ذلك أنه من المعلوم أن المتهم توبع بمقتضى الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 299.1.
والمحكمة قضت بإدانته بمقتضى الفقرة الأولى من الفصل 299.1 لكنها لم تورد في حكمها أي تعليل أو موقف من الفقرة الثانية من الفصل 299.1، في خرق واضح للقانون هنا أيضا، والذي يوجب أن يكون كل حكم معللا.
والملاحظة الثالثة أن المحكمة قضت بمعاقبة اسماعيل بأقصى العقوبة، لكنها لم تعلل حكمها بهذا الصدد.
ذلك أن المادة 141 وما بعدها من ق.م.ج يمنح المحكمة صلاحية تفريد العقاب بين الحدين الأدنى والأقصى مراعاة لخطورة الأفعال ودرجة إجرام المتهم. لكن المحكمة في هذه النازلة لم تبرر تحديد العقوبة في الأقصى ومؤيدات ذلك هل هو خطورة الأفعال أو درجة إجرام المتهم أو هما معا، مع العلم أن اسماعيل مهندس، وعديم السوابق وله وضع اجتماعي مستقر ولا تشوبه شائبة. كما أن المحكمة لم تبرر في حكمها سبب حرمان المتهم أيضا من ظروف التخفيف طبقا للفصل 146 من ق.م.ج.
وبعد هذه الإطلالة السريعة يمكننا أن نستخلص أن الحكم جانب الصواب عندما قضى برد الدفوع الشكلية.
كما جانب الصواب أيضا عندما قضى بإدانة المتهم، ولم يقض ببراءته.
وجانب الصواب أخيرا عندما قضى عليه بأقصى العقوبة.