متَى خرجنا نَحن والفضلاءُ الديمقراطيون من الدهليز المظلِمِ، دهليزِ الانفراد والاستبداد، فالناعورة الديمقراطية آلةُ الوقْتِ. الوُضوحُ والرؤية البعيدةُ مِحَكٌّ وبرهان. ما أظرفَ الديمقراطية لو كان ادعاؤها أن الأمر تنافُس شريف حُرّ بينَ برامجَ ومذاهبَ وأفكار! ما أظرفها لَو لم تكن سابقةُ الجزائر، ونكوص أدعياء الديمقراطية عن الديمقراطية!
وعن الوضوح والرؤية العميقة البعيدة نبحثُ حين نقول: إن البديلَ الإسلامي إن لم يكن على بيّنَةٍ من طبيعةِ المبدَل منه يوشِك أن يتزيّا بزَيه ملاطفة، ويتكلم بلغته مجاملة، ويصْطنِع أسلوبه مُداراةً، فلا يشعُر يوما إلا وقد تجنّس بجنسية الـمُبدل منه.
وبما أن هذا الـمُبْدَل منْه هو نفسُه بديلٌ، فالطريق مُمهَدَة من تنازُل لتنازُلٍ، ومن ملاطفة لملاطفة، نحو مِثليةٍ مُطَّرِدَةٍ لا يقِف فيها الحِوار بينَ سياسيين ملتحين وسياسيين بلا لحية إلا وقد نبذ الفريقان دين الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.
الوضوح نلتمس لغته من علماء النحو والصرف. نقتبس المصطلح، ونترك النحاة للدفاع عن حِماهم الذي تغزوه لسانياتُ العصر. يرجع عالم النحو والصرف المسلم إلى القرآن، ويَصدُرُ عن القرآن، ويرجع اللساني الحَدَاثويِّ إلى مرجعٍ لا يَرِدُ ولا يستقي إلا من علوم حديثة لا تعرف القرآن إلا نصا من النصوص، تشرِّحه تشريحاً موضوعيا لا تُرَبّكهُ اعتبارات قداسية. وتلك معركةٌ أخرى لها رجالها.