رجع النسوة الجاهليات إلى أصولهن الجاهلية بعد أن ضقن بخناق الكنيسة. هل تنقلع نساء الإسلام من تربتهن لينغرسن في تربة غيرهن؟ إنها شجرة زقوم جهنمية تلك التي تسقى من ماء جهنمي. إنما صلاح نساء الإسلام في محنتهن الحاضرة باستيحاء النموذج النبوي الصحي، وتنفس عبيره، وتجديد أجوائه، والانغراس في بيئة إيمانية تجدد ذلك النموذج روحا وسلوكا وعلما واتباعا واعتصاما.
كيف تحولت الصحابيات رضي الله عنهن؟ كيف تربين في الشدائد التي قتلت فيها أول شهيدة -بل أول نفس- في الإسلام تحت العذاب؟ كيف تربين بعد ذلك حتى حصلت لهن تلك المعاني القلبية العميقة التي حولت إرادتهن عن التعلق بزينة الحياة الدنيا؟
إلى نموذج الصحابيات ترجع نساء الإسلام لاستيحاء المثال، لا إلى أحكام مجردة معممة تناولها الفقهاء كل في زمانه ومكانه، وظروفه السياسية، وتقلبات الزمن به، وأولوياته، وضرورياته التي أباحت المحظورات، ومصالحه التي قورنت بالمفاسد، وضرره الأصغر الذي دَرَأ به الضررَ الأكبر.
يلزم اجتهاد وفقه لفقهِ الظروف التي أثرت في اجتهاد الفقهاء الأجلاء في عصور هبط فيها الحكم إلى دركات العض والجبر.
وما علينا من الاجتهاد حين تكون السنة مجسدة حية إلا التقليد في حدود بيئتنا المعاصرة ووُسعنا للنموذج الحي المثالي. لا مكان للتأويل ولا للتخصيص والتقييد عندما نقرأ الحياة العملية للصحابيات رضي الله عنهن. أولئك كن السابقاتِ الأُولَياتِ من المهاجرات والأنصاريات اللواتي رضي الله عنهن ورضوا عنه، وأعد لهن جنات تجري من تحتها الأنهار.
نقرأ من بيت النبوة، نستقي من النبع، نقتبس الهدى والنور من مشكاة النبي وآله وأهل بيته. كان خلُقه صلى الله عليه وسلم القرآن كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها. فبالقرآن خلّقهن، وبالقرآن هذبهن، وبرأفته وحكمته قوَّمهن. وبحضوره ومعاشرته ومحبته التي سكنت شِغاف القلوب تشربن الإيمان واستروَحْن رَوح الإحسان.