ليس الهدف من هذه الأفكار جرد وتمحيص جميع المقتضيات الواردة ضمن مشروع قانون المسطرة المدنية، المعروض على مجلس المستشارين، بقدر ما هي وقفة سريعة عند بعض البنود التي ثار الخلاف حولها والتي شكلت ردة حقوقية صدمت المهتمين والمتقاضين على حد سواء، وسأخصص النقاش هنا للحديث عن العقبات التي وضعها مشروع قانون المسطرة المدنية في وجه المتقاضين للحد من الحق في ولوج القضاء، وأخص بالذكر رفع عتبة الحق في استئناف الأحكام الابتدائية إلى مبلغ 30.000 درهم.
وتجدر الإشارة في المبدأ إلى أن مشروع قانون المسطرة المدنية وضع بمجلس النواب من طرف الحكومة يوم الخميس 9 نونبر 2023، ثم أحيل على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات به يوم الإثنين 13 نونبر 2023، وصودق عليه في الجلسة العامة ليوم الثلاثاء 23 يوليوز 2024 بموافقة 104 صوت، مقابل معارضة 35.
والملاحظ، وبالنظر إلى عدد النواب البرلمانيين 395، أن عدد المصوتين بالموافقة على مشروع قانون المسطرة المدنية هو قرابة ربع (1/4) مجموع عدد النواب! مما يطرح سؤال التمثيلية ومصداقية المشروع واقتناع نواب الأمة بمضامينه وموافقتهم عليها. ولعل ذلك يستدعي نقاشا دستوريا لمشروع القانون، لكن ليس ضمن الأسطر الآتية على كل حال.
ثم بعد ذلك وضع المشروع بمجلس المستشارين يوم 24/07/2024 وأحيل على لجنة العدل والتشريع به يوم 25/07/2024.
وسأفصل في موضوع التضييق على الحق في الطعن في الأحكام الابتدائية من خلال فقرتين:
· تأسيس تصويت النواب على معطيات خاطئة
· الأهداف المسكوت عنها في تقديم المادة 30 من المشروع
1. تأسيس تصويت النواب على معطيات خاطئة
من الإجراءات المثيرة التي وردت في مشروع قانون المسطرة المدنية الأخير، الحد من الحق في الطعن في الأحكام بالاستئناف.
لا بد من التذكير بدءا أن الحد من الحق في الطعن بالاستئناف ليس جديدا، بل إنه مكرس منذ أول قانون مسطرة مدنية حديث بالمغرب، بمقتضى قانون المسطرة المدنية لسنة 1913، والمنشور بالجريدة الرسمية بالفرنسية عدد 46 بتاريخ 12 شتنبر 1913، حيث نــــص الفصل 1 منه على أن محاكم السدد تختص بالبت ابتدائيا وانتهائيا إلى حدود 500 فرنك، وتبت ابتدائيا مع الحق في الاستئناف في ما زاد عن ذلك.
وفي قانون المسطرة المدنية الحالي، والمعمول به منذ سنة 1974، يتعين في هذا الإطار تسجيل محطتين مهمتين:
المحطة الأولى: قبل 2011، حيث كانت المادة 19 من قانون المسطرة المدنية تنص على أن المحاكم الابتدائية تختص بالنظر ابتدائيا وانتهائيا إلى غاية ثلاثة آلاف (3.000) درهم.
أي أن الدعوى التي لا تفوق قيمتها 3.000 درهم، يفصل فيها انتهائيا أمام المحكمة الابتدائية، وليس للطرف، سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، الحق في استئناف الحكم الصادر ضد مصالحه.
المحطة الثانية: بدأ من سنة 2011، حيث عمد المشرع إلى سن قانونين مهمين لهما ارتباط بالموضوع، وهما القانون رقم 35.10 بتغيير وتتميم قانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 17/08/2011، والقانون رقم 42.10 المتعلق بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصاته، والمنشوران معا في الجريدة الرسمية عدد 5975 بتاريخ 5 سبتمبر 2011.
فالقانون 35.10 قضى بتغيير المادة 19 من قانون المسطرة المدنية، فأصبح الطعن بالاستئناف يتم أمام غرفة الاستئنافات بالمحاكم الابتدائية إلى غاية 20.000 درهم، ثم أمام محاكم الاستئناف كلما فاقت الطلبات مبلغ 20.000 درهم.
والقانون 42.10 نص في المادة 10 منه على أن الطلبات التي لا تفوق مبلغ 5.000 درهم، هي من اختصاص قاضي القرب، باستثناء النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة والعقار والقضايا الاجتماعية والإفراغات. وأن المادة 13 من القانون 42.10 نصت على أن أحكام قاضي القرب لا تقبل الاستئناف.
ويستخلص من ذلك أن الحق في استئناف الأحكام أصبح حكرا على النزاعات التي تتجاوز 5.000 درهم.
إذن فالمثير في المقتضيات الواردة في المشروع الجديد، بخصوص الحد من الحق في الاستئناف، ليس المبدأ في حد ذاته، مادام قانون المسطرة المدنية سبق أن أقره منذ سنة 1913، لكن المثير هو العتبة المقترحة في المشروع، والتي أصبحت 30.000 درهم، أي أن الدعوى التي لا تتجاوز قيمتها 30.000 درهم يفصل فيها مرة واحدة أمام المحكمة الابتدائية، دون الحق في عرض النزاع على محكمة الاستئناف، بعدما كانت محددة بداية في مبلغ 3.000 درهم سنة 1974، ثم 5.000 درهم سنة 2011.
وفي هذا الصدد، جاء في العرض التقديمي للسيد وزير العدل، أمام مجلس النواب، لمشروع القانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية، أنه يروم إلى تحقيق أهداف كثيرة منها تسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، مستدلا بخطاب الملك لـ20 غشت 2009 بمناسبة تخليد ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب.
غير أنه عند سرده لمستجدات المشروع، وقف السيد الوزير عند عنوان “ترشيد طرق الطعن” ليوضح: “عمل المشروع على إدخال تعديلات هامة بالنسبة لموضوع طرق الطعن ساعيا من خلال ذلك إلى ترشيدها وعقلنتها لضمان ولوج فعال إلى العدالة وتقليص حالات الطعن بالنظر إلى نوع القضية ومتطلبات العدالة لاعتبارات خاصة يقدرها المشرع“.
وتفاعلا مع العرض التقديمي، لاحظ بعض النواب أن المقتضيات موضوع المناقشة من شأنها: “التضييق على مبدأي المساواة والحق في التقاضي على درجتين بسبب حرمان المتقاضين الذين تقل مبالغ قضاياهم عن قيمة مالية معينة، في تجاهل تام لأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، مما اعتبر ليس حيفا فقط ولكن ضربا ومساسا بحقوق الإنسان، وحرمانهم من الضمانات القانونية التي توفرها محكمة النقض والمحكمة من الدرجة الثانية بحسب الحالات، وكذلك إجبارهم على أداء الغرامات المرتفعة أثناء التكييف باستخدام سوء النية، مما سيدفعهم إلى التفكير مائة وألف مرة قبل اللجوء إلى القضاء والذي يعتبر ضربا سافرا لمبدأ الحق في الولوج إلى القضاء“ 1.
وفي المناقشة التفصيلية لمواد المشروع، كشف السيد الوزير عند تقديمه للمادة 30 “أن النص المعمول به يحدد المبلغ في 20.000 درهم، وكانت الحكومة بصدد رفعه إلى 100 ألف درهم، وبعد نقاش طويل مع جهات أخرى في الحكومة ارتأت تخفيضه إلى 40 ألف درهم“.
وهنا نقف على أن تقديم السيد الوزير للمادة 30 تأسس على معطيات خاطئة، قد تكون السبب في تحوير النقاش عن مساره الطبيعي، ذلك أن المعمول به اليوم، هو أن الحق في استئناف الأحكام، مكفول في جميع القضايا التي تتجاوز قيمتها 5.000 درهم، وليس 20.000 درهم.
فبالرجوع إلى القانون المتعلق بالتنظيم القضائي الجديد رقم 38.15 الصادر بتاريخ 30 يونيو 2022، يتضح أنه ألغى العمل بالغرف الاستئنافية للمحاكم الابتدائية. وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن المادة 19 من ق.م.م تنص على أن استئناف الأحكام الابتدائية، تنظر فيه الغرف الاستئنافية بالمحاكم الابتدائية إلى غاية 20.000 درهم، وتنظر فيه محاكم الاستئناف فيما زاد عن ذلك.
وبإلغاء العمل بالغرف الاستئنافية للمحاكم الابتدائية، فإن البت في استئناف الأحكام الابتدائية أصبح من اختصاص محاكم الاستئناف مطلقا، دون قيد أو شرط، باستثناء الأحكام الصادرة عن قضاء القرب، عملا بالمادة 10 من القانون 42.10 والتي جعلت الطلبات التي لا تفوق مبلغ 5.000 درهم، من اختصاص قاضي القرب.
وما يؤكد ذلك أن المادة 107 من القانون المتعلق بالتنظيم القضائي الجديد رقم 38.15 نصت صراحة على أنه: “تحال بصفة انتقالية القضايا المستأنفة المعروضة على الغرف الاستئنافية بالمحاكم الابتدائية، غير الجاهزة ابتداء من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، إلى محاكم الاستئناف المختصة…”.
إذن وحدها أحكام قاضي القرب لا تقبل الطعن بالاستئناف عملا بمقتضيات المادة 13 من نفس القانون 42.10 التي نصت على أن أحكام قاضي القرب لا تقبل الاستئناف.
ويستخلص من ذلك أن الحق في استئناف الأحكام حاليا هو حكر على النزاعات التي تتجاوز 5.000 درهم.
ومعنى ذلك أن السادة النواب أقروا انتقال عتبة الطعن بالاستئناف من 5.000 درهم إلى 30.000 درهم، وليس كما جاء في تقديم السيد الوزير من 20.000 درهم إلى 30.000 درهم.
والملاحظ هنا أن المشرع المغربي:
· انتظر قرابة 37 سنة، من 1974 الى 2011، ليقرر الرفع من عتبة الحد من الحق في استئناف الأحكام من 3.000 درهم سنة 1974، إلى 5.000 درهم سنة 2011، بزيادة 2.000 درهم، أي بنسبة زيادة 66,66% فقط.
· ولم ينتظر سوى أقل من 13 سنة، من 2011 إلى 2024، ليقرر الرفع من العتبة في المشروع من 5.000 درهم إلى 30.000 درهم بزيادة 25.000 درهم أي بنسبة زيادة 500% !
فهل نواب الأمة صوتوا فعلا عن دراية واستبصار، على رفع عتبة الحد من الحق في استئناف الأحكام، من 5.000 درهم إلى 30.000 درهم؟
2. الأهداف المسكوت عنها في تقديم المادة 30 من المشروع
من خلال تقديم المادة 30 من المشروع، يستشف أن الغاية من رفع عتبة الحد من الحق في استئناف الأحكام، هي التخفيف على القضاء، وترشيد طرق الطعن، وهنا لا بد من التفصيل قليلا في الموضوع، والنظر إليه من زاويتين، الأولى تتعلق بالرسوم القضائية والثانية بطبيعة الملفات التي ستستفيد من رفع العتبة.
ففي الفكرة الأولى، وسواء كان خاسر الدعوى هو المدعي الذي رفضت المحكمة طلبه الرامي إلى الحكم له بأداء مبلغ أقل من 30.000 درهم، أو المدعى عليه الذي حكمت عليه المحكمة بالأداء، فإن حرمان المواطن من استئناف الحكم، يحرمه من حقه في استخلاص المبلغ بصفة نهائية إذا كان مدعيا، أو يلزمه بأداء المبلغ المحكوم به إذا كان مدعى عليه، بمبرر التخفيف من عدد الملفات المعروضة على القضاء.
وحيث إن هذا المبرر كان سيكون مقبولا لو أن القضاء كان مجانيا، والحال أن المدعي والمستأنف، ملزمان بأداء الرسوم القضائية عن كل مرحلة.
وبإجراء عملية حسابية بسيطة، وباعتماد الدار البيضاء نموذجا، وانطلاقا من الإحصائيات الواردة في الكلمة الافتتاحية للسنة القضائية 2024 للسيد الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء؛
· فإن مجموع عدد الملفات المسجلة سنة 2023 هو 65.070 ملف.
· وباعتبار أن الملفات التي سيمنع فيها الاستئناف هي بين 5.000 درهم و30.000 درهم، أي بمعدل تقريبا مبلغ 20.000 درهم، فإن الرسوم القضائية المؤداة عن ممارسة الطعن باستئناف الحكم هي 550 درهم عن كل ملف.
· وإذا ما قدرنا أن عدد الملفات التي لا تتجاوز 30.000 درهم هي خمس الملفات 20%، لأننا في الواقع، وأمام غياب المعلومة، وعدم توفر إحصائيات واضحة، لا نملك إلا التقدير، بما أننا نعتقد أن الخمس، أي 20%، هو النسبة الدنيا التي من الممكن أن تحقق التخفيف من عبء الملفات الذي يهدف إليه المشروع، نظريا.
فإن عدد الملفات التي سيتم التخلي عنها سنويا في محكمة الاستئناف بالدار البيضاء هو خمس مجموع الملفات: 65.070 ملف ÷ 5 = 13.014 ملف.
يؤدى عن كل ملف معدل رسوم قضائية بمبلغ 550 درهم، أي أن ذلك سيترتب عنه ضياع مداخيل الوزارة سنويا بقيمة 7.157.700 درهم.
ويمكننا أن نستخلص من هذه الأرقام، وأمام أهمية المبالغ المحصلة عن الرسوم القضائية، أن تخفيف الضغط على المحاكم، لا يتحقق بالضرورة بالحد من الحق في الاستئناف، مادامت مداخيل هذه الملفات تسمح بتوفير الأطر البشرية، والبنية التحتية الكفيلة بتخفيف الضغط عن المحاكم والقضاة وكتاب الضبط وما إلى ذلك، بل وتتعداه، ويمكن أن تحقق فائضا يوفر مداخيل إضافية للدولة.
إذن فتخفيف الضغط على المحاكم وعلى القضاة قد يتحقق بمزيد من المحاكم ومزيد من القضاة، مادامت الموارد المالية متوفرة والأطر المؤهلة والكفأة موجودة ومستعدة، ولا حاجة لحرمان المتقاضين من حقهم وفق ما هو مقترح.
وفي الفكرة الثانية، يتعين الوقوف قليلا عند طبيعة الملفات المعنية بهذا الإجراء.
وللتذكير فإن الرفع من عتبة الحد من الحق في الاستئناف، سيجعل الأحكام الابتدائية الصادرة في النزاعات التي تقل عن 30.000 درهم، انتهائية وقابلة للتنفيذ بمجرد صدورها، دون إمكانية الطعن فيها.
إذن فالمشروع قدم هدية مهمة للمتقاضين المدعين الذين تقل طلباتهم عن 30.000 درهم، بأن قصر بالنسبة إليهم أمد التقاضي، وقلص مصاريف ذلك، ومكنهم من تنفيذ الأحكام بالأداء الصادرة لفائدتهم في أمد قصير جدا بالنظر إلى ما هو عليه الحال اليوم، ولو شابت هذه الأحكام أخطاء وعلل.
وهنا يمكن أن نطرح سؤالا بريئا عن هذه الفئة من المتقاضين الذين سعى المشروع إلى تحقيق أهداف مهمة بالنسبة لهم، ولو على حساب المواطنين المدعى عليهم الذين سيحرمون من الحق في الطعن بالاستئناف ضد أحكام قد تكون جائرة، ولو على حساب مالية الدولة التي ستضيع مبالغ طائلة على النحو الذي بيناه؟
ومرة أخرى، وفي غياب إحصائيات واضحة، ومعطيات دقيقة، سنحاول استقراء الواقع من خلال المعطيات المتوفرة.
وفي هذا الإطار، ومن باب القياس، نذكر بظروف إصدار القانون رقم 42.10 المتعلق بتنظيم قضاء القرب وتحديد اختصاصاته، والذي ورد في كلمة السيد وزير العدل التقديمية لمشروع القانون آنذاك، أمام لجنة العدل والتشريع في دورة أبريل 2011، أنه يهدف إلى عقلنة التنظيم القضائي وتبسيط المساطر بالنسبة للنزاعات البسيطة.
وتفاعلا مع تقديم المشروع آنذاك، سجل أغلب السادة النواب ارتياحهم، على اعتبار أنه قانون سيقرب القضاء من المواطنين، ويسهل ولوج المواطنين الفقراء للمحاكم، ويرفع العزلة عن العالم القروي، بما يتضمن من تبسيط للمساطر واعتماد المجانية والشفوية والسرعة والقرب.
لكن بالنظر إلى واقع الحال، وبملاحظة بسيطة لطبيعة الملفات المعروضة اليوم على قضاء القرب، يتضح أن المستفيد من هذا القضاء وهذا التبسيط وهذه المجانية وهذا التسريع، ليس هو المواطن البسيط، والفقير، والذي يعاني العزلة في العالم القروي، ولكن على العكس من ذلك تماما.
ذلك أنه بالاطلاع على طبيعة الملفات المعروضة على قضاء القرب اليوم، وفي مختلف محاكم المملكة، يتضح أن المستفيد من هذه الإجراءات الامتيازية السريعة والمجانية هو في أغلب الأحيان، وبنسبة تتجاوز دون أي مبالغة 90%، هي شركات ومؤسسات كبرى، متخصصة في الاتصالات وتوزيع الماء والكهرباء، والتأمين، ومؤسسات القرض والنقل وغيرها.
وحيث إن المواطن الفقير، والبسيط، والذي يعاني العزلة في العالم القروي وجد نفسه في الواقع ضحية لهذه المساطر والإجراءات التعسفية في كثير من الأحيان، حيث تقام الدعوى ضده من طرف هذه المؤسسات الكبرى، ويواجه بحجج من صنع يدها، وقد لا تتاح له فرصة ممارسة حقه في الدفاع، ويحرم من حقه في المنازعة في الحكم الصادر أو الطعن فيه!
ولا بأس من التذكير في هذا السياق بما نشرته الصحافة بهذا الخصوص، وعلى سبيل المثال التقرير الصحفي الذي أنجزه موقع يا بلادي يوم 6 مارس 2020 تحت عنوان “ابتدائية الدار البيضاء: خروقات وأحكام في الآلاف من الملفات جملة واحدة دون تبليغ المدعى عليهم”، والذي يعتبر وثيقة مهمة لتجسيد ما نتحدث عنه من انتهاك الآلة القضائية لحقوق المواطنين البسطاء.
وفي الأخير ألا يكون الهدف غير المعلن وراء رفع عتبة الطعن بالاستئناف، هو أن شهية هذه الشركات والمؤسسات الكبرى قد ازدادت بعد نجاح تجربتها أمام قضاء القرب، لتتوسع أكثر بسقف أكبر قد يصل إلى 30.000 درهم، بدل 5.000 درهم المعمول بها اليوم، لتحصد المزيد من الامتيازات والمصالح في مواجهة المواطنين البسطاء، في زمن قياسي، في ظروف وإجراءات استثنائية، ومجانية ستأتي في مرحلة مقبلة.
وكخلاصة لما سبق، وبالنظر إلى أن المشروع اليوم مطروح للمناقشة أمام لجنة العدل والتشريع بمجلس المستشارين وسيعرض على تصويت السادة المستشارين به، لا بد من التذكير بالمعطيات الضرورية واستحضار الرهانات الخفية التي قد تكون وراء هذا التشريع:
· أن رفع عتبة الحد من الحق في استئناف الأحكام إلى مبلغ 30.000 درهم، سيتأسس على نسبة رفع 500%، على اعتبار أن العتبة اليوم هي 5.000 درهم وليس 20.000 درهم، وهي نسبة في نظرنا جد مرتفعة، وغير مبررة بالمرة.
· أن التخفيف على المحاكم وتخفيف الضغط على القضاة، قد يتحقق بوسائل أخرى، غير الحد من حقوق المواطنين في استئناف الأحكام، بالنظر إلى أهمية المداخيل التي قد توفرها هذه الطعون.
· أن التسريع والتبسيط وترشيد طرق الطعن، غالبا سوف لن يفيد المواطن البسيط الفقير، ولكن على العكس من ذلك تماما، قد يضره ويشكل خطرا عليه، بالنظر إلى أن الجهات التي ستستفيد حتما من ذلك، هي خصمه من الشركات والمؤسسات الكبرى.