الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر، والحمد لله على فضله ومنه وكرمه.. ذلك حال غزة وأهلها منذ بداية الطوفان. ومن كان هذا حاله فالفتح والنصر مآله بتوفيق من العزيز الوهاب الذي لا يضام عنده الخلص من عباده.
في السابع من أكتوبر المجيدة والخالدة استفاق العالم بأسره – العدو منه والصديق – على رعد وبرق وتسونامي الطوفان الذي زلزل الأركان، وشد الأنظار إليه من كل مكان، فما هي إلا برهة من الزمن حتى أصبحت غزة وفلسطين بوصلة الإعلاميين والسياسيين والمحللين الاستراتيجيين والعسكريين، بعد ردح من الزمن أريد من خلاله طمس معالم قضية شعب بأكمله، بل إقبار وجوده وراء جدار الصمت في مقبرة النسيان على هامش صفقة القرن ومشروع التطبيع مع الكيان..
لقد خلف الحدث – إبان وقوعه – انبهارا لدى الكثيرين، وصدمة لدى الآخرين، بما طبعه من مفاجأة وسرعة وهندسة محكمة زمانا ومكانا، وبما حمله من مكتسبات لهؤلاء وخسارات لأولئك. صدمة وانبهار توزعتا هنا وهناك حسب المواقف والانتماءات.
قلب الحدث كل الموازين والحسابات، وأشعل المنصات والساحات، وفضح المستور من الولاءات والمؤامرات والخيانات..
وإلى الميدان تسارعت أساطيل الحرب برا وجوا وبحرا، مسبوقة بأجهزة الاستخبارات لاستدراك ما لم تحط به خبرا، واستنفرت وكالات الإعلام للتضليل كذبا وزورا، كل ذلك في حرب عالمية تجمعت فيها صنوف الأحزاب، في مواجهة شعب أطبق عليه الحصار من كل باب.
لقد ظن العدو الصهيوني وحلفاؤه والمطبعون معه والمتواطئون والمتخاذلون أن الفرصة سانحة للقضاء على المقاومة في أيام أو أسابيع على أكبر تقدير، فإذا بالجميع يفاجأ برجال أشداء وحاضنة شعبية صامدة وفية في الضراء قبل السراء.
جن جنون العدو الصهيوني، وهو المؤيَّد بصمت الأنظمة المتخاذلة، والمدعوم سياسيا وعسكريا من الغرب، فراح يمطر غزة طولا وعرضا بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة، لا يميز في ذلك بين مربع سكني أو مستشفى أو مؤسسة تعليمية، بل امتد بطشه إلى المؤسسات التي ترعاها منظمات دولية، في صلف وعنجهية، غير آبه بالتنديد والاستنكار ، مدشنا محرقة لم يشهدها العالم الحديث، كان الهدف منها إفراغ غزة من أهلها إما قتلا أو تهجيرا.
انتهج العدو الصهيوني إبادة لا تبقي ولا تذر على مسمع ومرأى العالم، فما زاد الأحرار – حين تأكدوا من الخذلان – إلا ثباتا وصبرا، وتمسكا بالأرض، واحتضانا للمقاومة ودعمها، شيبا وشبابا، نساء وأطفالا، فلا تسمع إلا الحمد والثناء في كل الأحوال.
تتبع العالم بأسره مشاهد سامقة من الشموخ سطرها أحرار غزة شعبا وقادة وهم يشيعون أبناءهم وأهليهم أشلاء شهداء، ويسترخصون ما يملكون فداء لفلسطين. لقد ضحى الجميع بلا استثناء.
وقف العالم مشدوها منبهرا متسائلا عن سر يقين وإيمان أهل غزة، وهو يرى الإبادة تحصد الجميع، طواقم بأسرها تُستهدف من أطباء ومسعفين وصحافيين ومدنيين عزل وأطفال أبرياء، والكل يسعى للإنقاذ والمواساة والدعم من أجل البقاء.
وفي مواجهة العدوان ظلت المقاومة على العهد وجودا وفعلا، تتربص بالعدو وتمعن في آلياته وجنوده تدميرا وقتلا، فما وهنت وما ضعفت، بل فاجأت وضربت الغزاة في كل شبر ظنوا أنهم أمنوه وأحكموا السيطرة عليه.
أمام هذا الصمود الأسطوري لأكثر من خمسة عشر شهرا شعبا ومقاومة، أعلن ساسة الجيش الذي لا يقهر القبول بالهدنة، لتسقط أهدافهم الأربعة المعلنة، مكفنة في راياتهم المنكسة، مبللة بدموع الهزيمة والانكسار.
ويا لها من مفاجأة حيرت العقول وأبهرت المتتبعين حين انكشف الدمار عن شعب ومؤسسات مدنية وعسكرية، وعن طواقم منظمة وفعالة باحترافية وانسيابية وإبداع أدهش القريب والبعيد.
ففي ظرف ساعات قليلة بعد دخول الهدنة حيز التنفيذ، انبعث من تحت الركام – الذي غطى القطاع من الشمال إلى الجنوب – مشهد في غاية الضبط والانتظام: آلات وسيارات وفرق بأزيائها العسكرية والمدنية، ووثائق تدبيرية، ومحاضر، وكأن القوم ما كانوا في حرب .
لقد تحول “اليوم التالي للحرب” الذي طالما تاقت إليه أعناق الصهاينة والمتصهينين إلى سهام عز مغروسة في نحورهم، وغصة اندحار في حلوقهم لم يستطيعوا لها هضما.
ولله الحمد من قبل ومن بعد.