قال تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس، 58].
مع بداية شهر أكتوبر هل هلال النصر، وإن كنت أحسب أن الأهلة تظهر مع مطلع الشهور العربية، هل كنت أحلم أم هي الحقيقة؟
زاد عجبي أن تابعت في وسائل الإعلام، وشاهدت بأم عيني نجوما تسطع وسماء تشع نورا كأن أمرا جللا على وشك الوقوع، وحدثا قريب الظهور، وفي نفسي أحدثها بنصر ووعد صادق سيتحقق.
كانت ليلة استثنائية على العدو الإسرائيلي، سماء إسرائيل تسطع بالنجوم المفخخة ونيران الصواريخ من كل حدب وصوب، وكأن الأمر لا يعدو أن يكون مقدمة لمسرحية ممتعة كما يشاء أعداء المقاومة تسميتها.
على عجل رحت أبحث عن صحة الأخبار فوجدت عجبا، نيران الصواريخ تدك أرض العدو دكا وصفارات الانذار تولول، والصهاينة مذعورون كأنه يوم الحشر، وكأن الأرض زلزلت زلزالها وأمطرت السماء مطرها، فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ.
خرج الليلة شبان غزة العزة والأطفال والصبيان يضربون بالدفوف، ويتغنون بالملحمة، ويرددون الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، على نغمات موسيقى طهران وألحان حزب الله وكلمات حماس، كأنه عرس في شهر أكتوبر، لتكتمل الزفة بين يدي السابع منه يوم الملحمة، يوم الطوفان.
لما نزل قوله تعالى: الٓمٓ (1) غُلِبَتِ ٱلرُّومُ (2) فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ (3) [الروم]، وكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم؛ لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك نزل قول الله تعالى: وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (4) بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (5). وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة: الٓمٓ (1) غُلِبَتِ ٱلرُّومُ (2) فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ (3) فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ.
غَلَبت فارسُ الرومَ في أدنى أرض “الشام” إلى “فارس”، وسوف يَغْلِب الرومُ الفرسَ في مدة من الزمن، لا تزيد على عشر سنوات ولا تنقص عن ثلاث. لله سبحانه وتعالى الأمر كله قبل انتصار الروم وبعده، ويوم ينتصر الروم على الفرس يفرح المؤمنون بنصر الله للروم على الفرس. والله سبحانه وتعالى ينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، وهو العزيز الذي لا يغالَب، الرحيم بمن شاء من خلقه. وقد تحقق ذلك فغَلَبَت الرومُ الفرسَ بعد سبع سنين، وفرح المسلمون بذلك؛ لكون الروم أهل كتاب وإن حرَّفوه (تفسير القرطبي).
قلت: فرح الصحابة بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بانتصارات وإنجازات الروم وهم أهل كتاب، لا عقيدة تجمعنا بهم ولا مصير مشترك ولا تاريخ ولا أية وسيلة إلا أنهم أهل كتاب، حتى وإن كان هذا الكتاب قد لحقه من التحريف والتزوير والتبديل ما لحقه.
فتحصل عندي من هذا الخبر أنه يجوز لنا ويطيب أن نفرح لفرح المخالفين إن تحقق لهم من النصر على عدو قد يكون ويحتمل أن يكون مشتركا، ولو بتأويل.
وأما والعدو اليوم فواحد واضح وضوح الشمس في علاها، وأجمعت الشعوب قاطبة على عدوانه وهمجيته وبشاعة أفعاله، إلا تلك الحكومات التي ترضع من ثدي إسرائيل وتعيش في حضن أمريكا وحلفائها.
المجرم اليوم كشف عن وجهه البشع وعن أفعاله القذرة وأنه خارج القانون، بل إن القانون الدولي والمحكمة الجنائية، وهيئة الأمم المتحدة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية، ما هي إلا فقاعات وفرقعات كان الغرب بقيادة محور الشر أمريكا يصدِّع آذاننا بها، وكم هي السنوات التي أهدرناها في دراسة بعض هذه المواد في بعض التخصصات في مؤسساتنا، والتي كانت تأخذ منا نصيبا من الزمن غير يسير.
وضحت الصورة اليوم، ويحسب للمقاومة أنها استطاعت أن تكشف لنا عن سوأة الغرب وتفضح لنا نوايا أمريكا ومعها أذنابها، وأنه لا مكان لنا في معادلة اليوم إلا أن نكون مع المقاومة ونصطف مع هموم الشعوب المستضعفة، وأن لا نبقى كالعبيد نعيش في جبة الكيان الإسرائيلي الغاصب والرعاية الصهيوأمريكية.
وليس هناك أحسن من تلك العبارة التي تقول: اليوم إما أن تكون مع المقاومة أو أن تكون مع المحتل الصهيوني الغاصب.
وختاما تحية عالية لكل جبهات الإسناد التي أبت إلا أن تزلزل عروش إسرائيل وأمريكا، والويل والثبور والخزي والذل والعار لمن اختار أن يصطف مع المحتل الغاصب من حكام العرب، فخانوا شعوبهم وخانوا الله ورسوله، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء، 227] صدق الله العظيم.
وإنه لجهاد نصر أو استشهاد.