مقدمة
إن المتأمل في شريعتنا يجدها مبنية على اليسر والتخفيف ورفع الحرج، لذلك حبب الله تعالى إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا بتيسيره وتسهيله. فالإسلام دين يسر لا عسر، وهذه مزية خص الله بها المسلمين عن باقي الأمم والديانات، إذ اليسر رحمة من الله بعباده، فلم يكلفهم بما لا يطيقون. وفي رحم كل ضائقة انفراج ومفتاح، وهي تيسيرات قصدها الشارع لأجل التخفيف على الناس وإزالة كل عائق أمام عبادة الله. وبناء صرح الأمة والحفاظ على أصالتها؛ يتطلب منا الرقي في تعاملنا والسير على المنهج الإسلامي الذي اختار اليسر لا العسر.
وقفة مع الآية الكريمة
قال الله تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: 5].
“بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر، فأخرجه، كما قال تعالى: سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا) 1.
وتعريف “العسر” في الآيتين، يدل على أنه واحد، وتنكير “اليسر” يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.
وفي تعريفه بالألف واللام، الدالة على الاستغراق والعموم، يدل على أن كل عسر -وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ- فإنه في آخره التيسير ملازم له” 2.
فهذه الآية الكريمة تحمل الدعوة إلى الإيجابية والتفاؤل وترك السوداوية والتشاؤم.
قراءات وتأملات في “إن بعد العسر يسرا”
لقد يسر الله لهذه الأمة أمر دينها، فجعل اليسر في كل مناحي الحياة؛ من أحكام وعبادات وتكاليف. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب اليسر في كل شيء، ويختار الأيسر كما قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: “ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما” 3.
بعث النبي صلى الله عليه وسلم فينا خير الناس وأحسنهم أخلاقا، فيسر للناس كل صعب، ولم يعسر، وكان رحمة للعالمين. فالمنهج الصحيح الذي يتسم بالشمولية والتكاملية لابد أن يكون يسرا خفيفا على الناس.
فلننظر إلى الأمور بعين التفاؤل واليسر وإن بدت في ظاهرها عسرا، فبذور اليسر موجودة في العسر نفسه، فلابد أن يأتي الفرج، فالإنسان حينما تحل عليه الشدائد فإنه يلتجئ إلى ربه وهذا منبع سعادته.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “الحكمة المرجُوُّ من الحق عز وجل أن يلهمها جنده تتمثل في التنسيق بين الـمَضَاءِ بعزيمة في إبطال الباطل وإحقاق الحق وبين الترفق والتسكين والتدريج. لا يُؤتِي الحكمةَ إلا هو سبحانه. ضراعتنا إليه أن يهدينا الصراط المستقيم، وهي خيرُ الدين، وسِمَتُها اليُسر. واليسر فضيلة بين رذيلتين، واعتدال بين تطرفين: تطرف اللين الضعيف، وتطرف التنطع العنيف.
عند الإمام البخاري رضي الله عنه في صحيحه في «كتاب الأدب» أبواب متساوقة تخط صراط اليسر والرفْق والتؤدة. «باب قول النبي ﷺ: «يسروا ولا تعسروا»، «باب الانبساط إلى الناس»، «باب الـمُدَاراةِ مع الناس». وبعد ذلك يأتي «باب لا يُلدَغ المؤمن من جحر مرتين»، ليعلم القارئ في السُّنَّة أن ذلك الـمُيَسِّر الـمُبَشِّر الرفيق المنبسط إلى الناس الـمُدَارِي لهم في غاية الحيطة، ليس رِفْقُه من قبيل رخاوة المغفلين” 4.
ينهج الإنسان المؤمن منهج اليسر والتيسير في كل خطواته، فمادام الدين يسر فسأختار ما هو أسهل وأيسر على الناس، خصوصا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الآلام والكرب والشدائد، ولنا في أهل غزة مثال حي، فغزة صارت برجالها ونسائها وأطفالها نموذجا يحتذى به في اليسر والرضا والصبر والثبات والعزة، فالله عز وجل يسر لهم من البطولات والانتصارات ما يجعل الرامقين في حالة ذهول وشرود.