الأسرة نعمة والزواج عبادة

Cover Image for الأسرة نعمة والزواج عبادة
نشر بتاريخ

نصوص الانطلاق

قال الله تعالى: هُوَ اَ۬لذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَاۖ 1.

وقال جل شأنه: وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ 2.

وقال صلى الله عليه وسلم: “النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي” 3.

تقديم

الزواج سنة نبوية وشرعة ربانية “ومنة عظمى من مننه المشكورة وآياته المذكورة، وسكون هذه النفس الإنسانية إلى الشطر المكمل راحة واطمئنان وألفة واستئناس واستيطان، لولاه لكانت الحياة وحشة وغربة وقلقا” عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 2، ص 74..

الزواج عبادة وقربة لله عز وجل

الزواج سنة ومسؤولية من حيث اختيار الزوج على أساس الاستقامة والصلاح، ومن حيث هو ميثاق للترابط والتماسك الشرعي بين رجل وامرأة غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة على وجه الدوام، وهو أيضا فضيلة ندب إليها الشرع ويسرها من حيث المهور ونفقات الأعراس على عكس ما هو متداول في أعراف الناس من مباهاة واختيار للزوج على أساس المال والجاه والمنصب والجمال.

خلق الله سبحانه وتعالى المرأة إنسانا كما خلق الرجل، وبذلك فهما لا يختلفان في الصفة الجنسية والآدمية، إلا أن الله تعالى خلق المرأة من ضلع أعوج تتميز بصفتها الأنثوية وأحاسيسها الرقيقة، وتميز عنها الرجل بصفته الذكورية وبالخلقة الخشنة وقوة العضل، ولولا هذا الاختلاف لما حصلت هذه المودة والرحمة ولم تقم بينهما حياة زوجية تستثمر نسلا يستمر من بعدها.

مقاصد الزواج

من أهم مقاصد الزواج المودة والرحمة، وما المودة والرحمة الجسديين العاطفيين بين الأزواج المومنين شأن منفصل عن الدين، يتساكن الزوجان في كنفهما ويؤسسان أركان البيت الإنساني العاطفي بشروط السكون القلبية الإيمانية وشروط المعاشرة والملابسة، فينشئان أسرة يكون فيها الأبوين مسؤولين مربيين ينتجان نشءا صالحا يكون لهما ذخرا يوم القيامة.

وحفاظا على سلامة الفطرة وعلى النسل من الضياع وعلى الأسرة من التفكك، لابد من الوقوف عند مفهومين قرآنيين؛ هما القوامة والحافظية. فكيف نحافظ على الاستقرار الأسري من خلال الفهم القرآني المنهاجي لكل من القوامة والحافظية؟ ثم ما علاقة الحافظية بمقاصد الشريعة؟

تعريف القوامة

القوامة مسؤولية حماية المرأة وصيانتها وجلب المصالح لها كيفما كانت نسبتها إلى الرجل وقرابتها منه، ولقد استمد الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى القوامة من السنة النبوية والنموذج التطبيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: “نتأمل مسؤولية القوامة في دائرة الوصية النبوية النهائية في خطبة الوداع الله الله في النساء مرتفعين بتلك المسؤولية من معنى تكفل الرجل بقوته وعضليته وماله ورئاسته إلى معاني طاعة الله وطاعة رسوله ورعاية وصيته” 4، فهو يرى أن القوامة هي مسؤولية القيادة الرفيقة والرعاية الحكيمة التي يفصلها قوله صلى الله عليه وسلم: “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الأعظم الذي هو على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته”.

اعتمادا على ماسبق يمكن القول بأن القوامة مسؤولية ورعاية أوكلها الله تعالى للرجل لما أودع فيه صفات فطرية كقوة العضل ورباطة الجأش وقدرة الكسب، وبالتالي هي ليست ترجيحا لكفة الرجل وإنما تثقيل لميزانه بمثاقيل المسؤولية ليقود السفينة بحنكة ومسؤولية ومداراة.

مفهوم الحافظية

الحافظية في قوله عز وجل: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ 5. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “أول ما يتبين من وظيفة المرأة في الآية الكريمة أنها حافظة للغيب، كلمتان توحي الأولى بمفهومها أن هناك ما يضيع إن لم تحفظه المرأة كما توحي الثانية بأن هناك غياب وحضور” 6.

وفي الحديث الشريف الذي رواه ابن جرير لأبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خير النساء امرأة إذا نظرت إليها أسرتك وإذا أمرتها أطاعتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك”. الحفظ استمرار واستقرار للبيت المسلم الذي ينظر فيه الزوج إلى زوجته فتسره، يعني أنه يحبها ويسكن إليها لا لأنها فائقة الجمال ولكن لحفظها ورعايتها، وهذا قطب السكون في الحياة الزوجية وحياة المجتمع، والنظرة التجديدية للحديث تضمن الكليات الخمس لمقاصد الشريعة وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ العقل، وحفظ المال. وهذه المجالات إن لم تحفظها المرأة ضاعت.

أعطى الإمام رحمه الله الحافظية مفهوما شموليا لا تقتصر فيه المرأة على طاعة الزوج وحفظه في نفسها وماله، بل إن حافظيتها تنطلق من البيت بإتقانها لدورها الوظيفي؛ وهو حفظ النسل وحفظ الفروج وعدم ارتكاب فاحشة الزنى لكي لا تختلط الأنساب، وتعهد العقول والجسوم بتعليم النشء وتلقين اللغة وصيانة الجسد بالنظافة والتطبيب، وصون حقوق الزوج في نفسها عفة وشرفا، وفي ماله تدبيرا للنفقة واقتصادا، وتمتد إلى خارج البيت بحفظ الدين في المجتمع عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتدخل المرأة في الولاية العامة مع الرجل ولها فيها المسؤولية العظمى تأكيدا على مكانتها في واجب السهر على دين الله وحمل العبء ودعم البناء.

ونقرأ على لائحة أولويات الحافظية حفظ الأنساب لقوله صلى الله عليه وسلم: “من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا” 7.

أهمية المداراة في العلاقة الزوجية

قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ 8. الدرجة للرجال على النساء مزية ثابتة بالقرآن والسنة ومن أنكرها فقد كفر، وقد جعلها الله تعالى درجة في الفضيلة والخلق والمنزلة والطاعة والإنفاق والقيام بالمصالح في الدنيا والآخرة، فأي براءة تسمح للرجل لكي يدوس المرأة تحت قدميه؟ أم هي مسؤولية رعاية أمينة وقيادة رحيمة؟

إن أساء الرجل استعمال الدرجة ولم يراع نفسية المرأة وما جبلت عليه من رقة مما لا يتناسب وأسلوب الرجل في الحياة ولا طريقته في التفكير، ولم يدارها؛ انكسر الضلع وانقلبت الحياة جحيما وتفكك شمل الأسرة، فما أحوج الزوجين لهذا الخلق الرفيع لتأسيس وبناء نواة قوية وفاعلة في المجتمع هي الأسرة، والتي لا تكون بهذا النعت إلا إن قامت على المودة والرحمة والتعاطف والتسامح، فيداري الزوج زوجته بما هي أهل له كما جاء في الحديث: “دارها تعش بها” 9، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم النموذج الكامل في مداراة نسائه وكسب ودهن، وصفته عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن حاله إذا خلا بنسائه فقالت: “كان كرجل من رجالكم، غير أنه كان من أكرم الناس وأحسن الناس خلقا وكان ضاحكا بساما”.

خاتمة

“يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج”، نداء من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم للشباب القادر على الإنفاق بأن يتزوج، ورغب الإسلام في الزواج لأنه عبادة وإحصان وعفاف، وبه يكون التوالد وتصان الأنساب، ويفاخر بنا الأمم يوم القيامة، إلا أن الشباب اليوم أعرض عن هذه السنة لانهيار الأخلاق عند المرأة والرجل، وصار الشارع معنى لسهولتها ورخصها، بعدما كان الحجاب معنى لصعوبة المرأة واعتزازها، “وتخنث الشباب والرجال ضروبا من التخنث بهذا الاختلاط وهذا الابتذال. وتحللت فيهم طباع الغيرة فكان هذا سريعا في تغيير نظرتهم إلى النساء، وسريعا في إفساد اعتقادهم، وفي نقض احترامهم، فأقبلوا بالجسم على المرأة وأعرضوا عنها بالقلب، وأخذوها بمعنى الأنوثة وتركوها بمعنى الأمومة. ومن هذا قل طلاب الزواج، وكثر رواد الخنا” 10.


[1] الأعراف، 189.
[2] الروم، 21.
[3] رواه أبو يعلى بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[4] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 2، ص 97.
[5] النساء، الآية 24.
[6] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ص 88، ج 2.
[7] أخرجه الشيخان عن الإمام علي كرم الله وجهه.
[8] البقرة: 228.
[9] أخرجه الإمام أحمد رحمه الله.
[10] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات، ج 2، ص 100.