تقديم
شهدت الساحة المغربية مؤخرا حدثا بارزا تمثل في خروج معتقلي العدل والإحسان من المعتقل بعد قضاء زهاء عقدين من الزمن توزعت بين السجن المركزي بالقنيطرة وسجن بوركايز بفاس. عقدان من الزمن تميزا أيضا باستمرار لعبة شد الحبل بين جماعة العدل والإحسان والنظام المغربي حيث ظلت هذه العلاقة متوترة في كثير من الأحيان بحكم الملفات العديدة التي يصعب رصدها وتفكيكها، أشدها تعقيدا ملف الطلبة الإثني عشر الذي حاول من خلاله المخزن توجيه ضربة قاضية للجماعة.. لكن السحر انقلب على الساحر وخرجت الجماعة بفضل الله وعونه منتصرة.. ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
1- رسالة الفتوة
يقول الحق جل وعلا وهو يقص علينا قصة أصحاب الكهف: إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. الفتوة هنا بمعنى الشجاعة في قول الحق، هذه الفتوة جعلت فتية الكهف المومنين بربهم يعلنون إيمانهم في مجتمع لا يدين بدين الله ويبطش بكل من خالفه بحيث ان إعلان الإيمان كان يعني تعريض النفس للهلاك والفتنة. وكذلك كان فتية العدل والإحسان حين تمسكوا بمبادئهم الواضحة الرافضة لظلم وجور الظالمين. أفصحوا عن مبادئهم أمام الفصائل الطلابية الباسطة نفوذها على الجامعة وقتئذ والرامية إلى إفسادها فكريا وأخلاقيا، كما ظل أحبتنا 20 سنة صامدين ثابتين متشبثين بمبادئهم في أقبية السجون رافضين استجداء الظالمين ومهادنتهم… وما ضعفوا وما استكانوا.
ولعل أبرز ما يثبت فتوة معتقلينا الإثني عشر رفضهم طلب العفو من الجلاد.
لقد كان الشهيد سيد قطب يقول إن هذه السبابة التي تسبح بحمد ربها وتوحده في تشهد الصلاة تأبى أن تأخذ القلم وتطلب العفو من الظالمين، وكذلك كان حال إخوتنا الذين شرفونا حينما آثروا المكوث بالسجن على طلب العفو.
استثناهم العفو الشامل الهامل منذ سنة 1994 ظلما وعدوانا فقرروا ألا يطلبوا العفو إلا من العفو القدير وواصلوا صمودهم حتى تخرجوا من مدرسة يوسف عليه السلام مرفوعي الهامات والهمم.
2- صبر وثبات على المبادئ
إن اللغز الذي حير النظام المغربي طيلة فترة اعتقال الفتية الأشاوس هو صبرهم وثباتهم على المبدأ رغم القساوة التى عوملوا بها أثناء فترة الاستنطاقات ورغم المضايقات التي لازمتهم طيلة فترة الاعتقال، فالمخزن لم يهدأ له بال ولم يغمض له جفن حتى بعد إطلاق سراح إخوتنا، فقد أجهد نفسه كي ينغص عليهم لحظة الفرح بالحرية التي حرمهم إياها مدة 20 سنة. إنهم كانوا دائما يغردون خارج سرب المتملقين المداحين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوههم التراب.
صبر فتية العدل والإحسان نابع من إيمانهم الشديد بعدالة قضيتهم ومشروعيتها وأن الله تعالى ناصر من التجأ إليه وتضرع وأخبت وأناب. فالمخزن أراد ان يري فتيتنا قسوته وشراسته ليهابوه لكنهم قالوا له كما يقول الشاعر:وبات يريني الخطب كيف احتماله
وبت أريه الصبر كيف يكون
3- ما ذا بعد الخروج من السجن؟
قضى إخوتنا بحمد الله زهاء عقدين من الزمن في سجن الظالمين ثابتين على المبدإ شعارهم رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه فهاهم اليوم بين ظهرانينا بعد معاناة طويلة. فبعد خروجهم من السجن المادي آن لنا جميعا أن نخرج من السجن الأكبر، سجن النفس الذي يكبل إراداتنا ويثبط عزائمنا .. لابد أن نتحرر ولا بد أن ننطلق جميعا من أجل الإسهام بشكل ملحوظ في مسيرة التعبئة والبناء، بناء أجيال قادرة على حمل الرسالة مبشرة بغد الشورى والعدل والإحسان.
إن المشروع كبير والعقبات كأداء ولابد من مواصلة السير في درب الجهاد بالحكمة والصبر واليقين ولسان حالنا يقول: 20 سنة في الزنزانة لن توقف زحفنا.
4- يقين لا بد منه
إن الثقة في نصر الله شرط أساس في نجاح دعوة الداعية إلى الله، فربنا جل وعلا وعد المومنين بالنصر والتمكين وهو لا يخلف الميعاد ، فلا يجب أن نقول مثل ما قال المنافقون يوم الأحزاب حين رأوا قوة العدو وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. ولكن يجب أن نقول كما قال المومنون الصادقون ولما رأى المومنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما.
بهذا اليقين وبه فقط سنتغلب على عقبات النفس والهوى والشيطان والسلطان وإن الله ناصر عباده المومنين بما يشاء ومتى يشاء و كيف يشاء.