لِسَانُ الضَّادِ أَسْنَحُ لِلْوِصَالِ ** وَأَمْكَنُ لِلْمُحِبِّ مِنَ النَّوَالِ
وَفِي كَلِمِ السَّمَاءِ عَلَيْهِ سِيمَا ** نَبِيٍّ أَوْ مَلاَكٍ مِنْ جَمَالِ
يَفِيضُ بِسَطْوَةِ الْقَيُّومِ حَتَّى ** تَذُوبُ الرُّوحُ مِنْ رَهَبِ الْجَلاَلِ
وَمَا لَفْظٌ بِأَقْدَرَ مِنْهُ حَمْلاً ** لِنُورِ الْحَقِّ فِي مَتْنِ الْمَقَالِ
خِطَابُ اللهِ قُدُّوسٌ فَأَنَّى ** يُبَاشِرُ نَاقِصٌ فَحْوَى الْكَمَالِ؟
تَجَلَّى الْمُطْلَقُ الْبَارِي كَلاَماً ** فَأَجْدَرُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مِثَالِ
وَأَحْرَى أَنْ يَجِيءَ الضَّادُ أَحْلَى ** وَأَمْكَنَ فِي الْعُذُوبَةِ مِنْ زُلاَلِ
عَلَى عَيْنِ السَّمَاءِ أَصَابَ مَا لَمْ ** يُصِبْهُ لِسَانُ مَنْ نَطَقُوا بِحَالِ
تَهَيَّأَتِ الْبَلاَغَةُ فِيهِ كَيْمَا ** يُطِيقَ رِسَالَةً فَوْقَ اللَّآلِي
وَنَالَ بَيَانُهُ فِي السَّبْكِ حَظّاً ** لِيَسْطِيعَ النَّفِيسَ مِنَ الْمَعَالِي
وَهُذِّبَتِ الْفَصَاحَةُ مِنْهُ صَقْلاً ** فَحُلِّيَ بِالْجَزَالَةِ فِي الصِّقَالِ
تَبَوَّأَ فِي ذُرَى الْإِعْرَابِ شَأْواً ** أَفَادَ لَهُ السَّنِيَّ مِنَ الْخِلاَلِ
يُصَوِّرُ قُدْرَةَ الْقَهَّارِ بَطْشاً ** تَخِرُّ لِهَوْلِهِ شُمُّ الْجِبَالِ
وَيَبْسُطُ رَأْفَةَ الرَّحْمَنِ جُوداً ** فَيَسْجُدُ سَامِعٌ شُكْراً وَتَالِ
عَشِقْتُكَ يَا لِسَانَ الْوَحْيِ عِشْقاً ** تَعَدَّى حَدَّ قَصْدٍ وَاعْتِدَالِ
وَمِنْ أَيْنَ التَّوَسُّطُ فِي لِسَانٍ ** سَبَا لُبِّي وَشَكَّلَ مُخَّ بَالِي؟
يُقَرِّبُ غَيْبَ آخِرَةٍ بِوَصْفٍ ** يَرَى فِيهِ النُّهَى حَقَّ الْمَآلِ
وَيُوقِظُ فِطْرَةً غَفَلَتْ فَتَصْحُو ** عَلَى زَجْرِ الْمُذَكِّرِ بِالزَّوَالِ
كَأَنَّ الْبَعْثَ رَأْيَ الْعَيْنِ يَبْدُو ** حَقِيقاً لَيْسَ رَجْماً بِالْخَيَالِ
تَفَرَّدَ بِالْمَلاَحَةِ فِي اشْتِقَاقٍ ** وَتَصْوِيرِ الدَّقِيقِ مِنَ الْخِصَالِ
وَفِي التَّوْلِيدِ بَحْرٌ مُسْبَطِرٌّ ** وَأَوْحَدُ لاَ يُجَارَى فِي النِّزَالِ
وَيُخْرِسُ أَلْسُنَ الدُّنْيَا بِسَبْرٍ ** يُطَرِّزُ فِيهِ أَغْوَارَ الْخِلاَلِ
وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ حُبٍّ وَبُغْضٍ ** وَوِجْدَانٍ أَدَقَّ مِنَ الْهِلاَلِ
يَكُونُ مِنَ الدَّلاَلَةِ مُنْتَهَاهَا ** وَأَنْفَذَ لِلْمَعَانِي مِنْ نِبَالِ
يَصُوغُ الْحَالَ فِي نَسَقٍ قَشِيبٍ ** كَوَشْيِ الْهُدْبِ فِي عَيْنَيْ غَزَالِ
وَيَنْشَرِحُ الْأَدِيبُ إِلَى فَسِيحٍ ** وَرِيفِ الدَّوْحِ مَمْدُودِ الظِّلاَلِ
فَيَا للهِ لَفْظٌ جَلَّ عَنْ أَنْ ** يُعَارَضَ مِنْ تُرَابٍ بِالْمُحَالِ
وَإِنَّ اللَّفْظَ مُعْجِزَةٌ تَسَامَتْ ** بِآيِ الذِّكْرِ عَنْ دَرَكِ السِّجَالِ
لِسَانُ الضَّادِ مَحْفُوظٌ وَبَاقٍ ** بِحِفْظِ الذِّكْرِ فِي ذِمَمِ الرِّجَالِ
تَصَاغَرَ مَنْ يُطَاوِلُ مِنْهُ حَرْفاً ** وَفَازَ مِنَ الْجَرَاءَةِ بِالْكَلاَلِ
رَحِيقُ الضَّادِ حَلَّى ذَوْقَ قَوْمٍ ** وَضَمَّخَهُمْ بِآدَابٍ عَوَالِ
وَعَطَّلَ عِنْدَ مَنْ عَادَوْهُ طَعْماً ** وَأَسْلَمَهُمْ إِلَى نَزَقِ الْخَبَالِ
وَمَنْ لَمْ يَشْرَبُوا الْعَسَلَ الْمُصَفَّى ** أُصِيبُوا بِالتَّنَحْنُحِ وَالسُّعَالِ
أَيَا لُغَةَ الْجَمَالِ أَسَرْتِ سِرِّي ** بِمَعْسُولِ الشَّمَائِلِ وَالدَّلاَلِ
فَإِنْ عَنْ حُسْنِ دَلِّكِ يَسْلُ غِرٌّ ** فَلَسْتُ إِلَى شَفَا قَبْرِي بِسَالِ
وَإِنْ يَهْجُرْكِ كُلُّ الْخَلْقِ طُرّاً ** فَمَا لِي عَنْ هَوَاكِ مِنِ انْتِقَالِ
سَيَمْضِي الْعُمْرُ لاَ حَوْلاَنِ مِنِّي ** وَمَا لِي عَنْ لِسَانِي مِنْ فِصَالِ
فَعَوِّذْ أَعْجَمَ الْقَلْبِ الْمُسَجَّى ** بِنَفْثَاتٍ مِنَ السِّحْرِ الْحَلاَلِ
وَقُلْ يَا حِقْدُ لاَ تُقْصِرْ عَدَاءً ** وَأَوْغِلْ فِي أَفَانِينِ الضَّلاَلِ
فَإِنَّ الضَّادَ حَيٌّ فِي كِتَابٍ ** وَآلُ كِتَابِنَا هُمْ خَيْرُ آلِ
سَيُسْعِفُنَا قَرِيباً فِي انْبِعَاثٍ ** إِذَا نَشِطَ الْحُمَاةُ مِنَ الْعِقَالِ
وَمَا يُجْدِي لِسَانُ الْوَحْيِ فِي مَنْ ** أَنَاخُوا فِي كُسَاحٍ وَاعْتِلاَلِ
وَيَهْمِي وَابِلاً إِنْ هُمْ أَفَاقُوا ** وَمَنْسُوبُ الْحَضَارَةِ فِي اقْتِبَالِ
إِذَا الْعَرَبِيَّةُ الْغَنَّاءُ تَاهَتْ ** عَلَى وَقْعِ التَّغَنِّي فِي احْتِفَالِي
فَمَا قَوْمِيَّةَ الْأَقْزَامِ أَشْدُو ** وَأَنْتَبِذُ الْعُرُوبَةَ فِي التَّعَالِي
وَمَا بِسِوَى لِسَانِ الْوَحْيِ فَخْرِي ** وَمَا لِسِوَاهُ فِي الطَّلَبِ ارْتِحَالِي
إِلَى لُغَةِ الْخُلُودِ سَمَا وَلاَئِي ** وَإِقْبَالِي وَشَدْوِي وَاشْتِغَالِي