بتاريخ 24 ماي 2006 أدلى وزير الداخلية السيد شكيب بنموسى بتصريح لوكالة الأنباء الفرنسية أكد فيه بأن جماعة العدل والإحسان بتكثيفها لأنشطتها تكون قد وضعت نفسها خارج دائرة القانون، وقد أتى هذا التصريح مباشرة بعد الأبواب المفتوحة التي نظمتها جماعة العدل والإحسان بشتى مدن المغرب قصد التواصل مع الناس بمختلف شرائحهم والتعريف بمشروعها التغييري بدون وسائط.
مباشرة بعد هذا التصريح صعدت الأجهزة المخزنية من حملتها على جماعة العدل والإحسان وذلك باعتقال أعضائها ومداهمة البيوت وترويع ساكنيها، والتضييق على أعضاء جماعة العدل والإحسان في أنشطتهم التجارية والاقتصادية والتجسس عليهم والتنصت على مكالماتهم الهاتفية وحرمانهم من الوثائق الإدارية ومنع الجمعيات من القيام بأنشطتها ومنع جريدتي رسالة الفتوة والعدل والإحسان من الطبع، وقد وصلت عدد من زاروا مخافر الشرطة خلال الحملة ما يزيد عن 4513 عضو، توبع منهم حوالي 821 عضوا بتهم مختلفة كعقد اجتماعات عمومية بدون تصريح والانتماء لجمعية غير مصرح بها، وصدرت عليهم عقوبات بالغرامات وصلت في مجموعها إلى حوالي خمسمائة مليون سنتيما، هذا ناهيك عن 6900 يوم كعقوبات حبسية طالت بعضهم بتهم مختلفة.
وقد تفتقت عبقرية المخزن خلال هذه الحملة عن إجراء عقابي لم يسبق له مثيل وهو إغلاق وتشميع عشرات البيوت بدعوى أنها كانت تعقد بها اجتماعات عمومية بدون تصريح.
فهل إغلاق البيوت وتشميعها له أساس من المشروعية؟ أم أنه لا يعدو أن يكون مجرد شطط في استعمال السلطة؟؟؟
أسئلة سنحاول مقاربتها من خلال محورين، المحور الأول نستعرض فيه المواطن التي نص فيها المشرع على إغلاق البيوت وتشميعها وإجراءات الختم بصفة عامة، فيما نتعرض في محور ثاني لتقييم قانوني وحقوقي لهذا الإجراء وعلاقته بالملكية الفردية.
المحور الأول: النصوص التي نص فيها المشرع على إجراءات الختم وإغلاق البيوت:تعرض المشرع لإجراءات الختم في عدة مواطن كقانون المسطرة المدنية وقانون المسطرة الجنائية فيما نص على إغلاق المحلات في القانون الجنائي.
فبالنسبة لقانون المسطرة المدنية فقد نظم فيه المشرع إجراءات الختم على تركة الميت وذلك في الفرع الثامن من الباب الثالث تحت عنوان وضع الأختام بعد الوفاة والتعرض على وضعها ورفعها، في الفصول من 221 إلى 240 ، وهي لا تهمنا في هذا الصدد.
أما فيما يخص قانون المسطرة الجنائية فقد تعرض فيه المشرع لموضوع الختم على الوثائق والأشياء المحجوزة، وذلك في الفصول 59 و60 و61 و62 في معرض حديثه عن التفتيش والحجز التي تقوم به الضابطة القضائية، وكذلك في المادة 104 المتعلقة بالتفتيش والحجز الذي يقوم به السيد قاضي التحقيق.
أما إغلاق المحلات فقد نص عليه مشرع القانون الجنائي في الباب الأول من الجزء الثاني من الكتاب الأول وذلك في الفصل 62 الذي ورد فيه:
“التدابير الوقائية العينية هي:
1- مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها.
2- إغلاق المحل أو المؤسسة التي استعملت فيها ارتكاب الجريمة”.
وقد فصل المشرع في إجراءات هذا التدبير الوقائي العيني في الفصل 90 من القانون الجنائي حينما نص على أنه:
“يجوز أن يؤمر بإغلاق محل تجاري أو صناعي نهائيا أو مؤقتا، إذا كان قد استعمل لارتكاب جريمة، إما بإساءة استغلال الإذن أو الرخصة المحصل عليها، وإما بعدم مراعاة النظم الإدارية.
وينتج عن الحكم بإغلاق محل تجاري أو صناعي أو أي مؤسسة أخرى في الأحوال التي يجيزها فيها القانون ذلك، منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل، ويشمل المنع أفراد أسرة المحكوم عليه أو غيرهم ممن يكون المحكوم عليه قد باع له المحل أو أكراه أو سلمه إليه كما يسرى المنع في حق الشخص المعنوي أو الهيأة التي كان ينتمي إليها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة.
ومدة الإغلاق المؤقت لا يجوز أن تقل عن عشرة أيام ولا أن تتجاوز ستة أشهر، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”.
المحور الثاني: تقييم قانوني وحقوقي لإغلاق وتشميع البيوت:إذا كان إغلاق المحلات تدبير من التدابير الوقائية العينة التي نص عليها المشرع في الفصل 62 و90 من القانون الجنائي، فهل يمكن اللجوء إلى هذا الإجراء في جريمة عقد اجتماعات عمومية بدون تصريح؟؟؟
بالرجوع إلى ظهير 15 نونبر 1958 الذي ينظم التجمعات العمومية كما تم تتميمه وتغييره بموجب ظهير 10 أبريل 1973 وظهير 10 أكتوبر 2002، وبغض النظر انتفاء صفة العمومية عن الاجتماعات التي تعقدها جماعة العدل والإحسان وإعفائها من التصريح بهذه الاجتماعات باعتبارها جمعية مؤسسة بكيفية قانونية عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من ذات القانون، فبصرف النظر عن ذلك فإن الفصل التاسع الذي يجرم جنحة عقد اجتماعات بدون تصريح يعاقب عليها بغرامة تتراوح بين 2000 و5000 درهم دون أن ينص على إغلاق المحل الذي كان يعقد فيه الاجتماع كأحد التدابير الوقائية العينية المنصوص عليها في الفصلين 62 و90 من ق ج.
وقد أجمع الفقه الجنائي على مر العصور على تطبيق قاعدة تؤطر حقوق وحريات الأفراد وهي قاعدة لا جريمة وعقوبة إلا بنص، أو كما يحلو لبعض الفقه الجنائي تسميتها بمبدأ الشرعية أو النصية.
وقد أكد المشرع المغربي هذه القاعدة في الفصل 3 من القانون الجنائي الذي جاء فيه: “لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”.
فمؤدى هذا الفصل أنه لا يمكن محاكمة شخص على فعل إلا إذا جرمه القانون، كما أنه يمكن معاقبة شخص إلا بالعقوبات الواردة في نص التجريم وإلا تم العبث بمبدأ الشرعية أو النصية.
وبالتالي يكون ما أقدمت السلطات الأمنية بناء على تعليمات من النيابة العامة من إغلاق للبيوت وتشميعها بدعوى عقد اجتماعات عمومية بدون تصريح، عملا منافيا للمشروعية ويشكل اعتداء ماديا على الملكية الفردية.
وهذا ما أكدته محكمة الاستئناف بالناظور بمناسبة محاكمة أحد أعضاء جماعة العدل والإحسان وهو الأستاذ جمال بوطيبي من أجل عقد اجتماعات عمومية وكسر أختام وذلك في قرارها عدد 271 الصادر بتاريخ 22 فبراير 2007 في الملف رقم 1/2007 الذي جاء فيه:
“بالنسبة لكسر أختام موضوعة بأمر من السلطة العامة.
حيث إن الشرطة القضائية قامت بإغلاق منزل المتهم وتشميع بابه بناء على تعليمات الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناظور وأن المتهم قام بفتح المنزل بعد أن قام بكسر الختم.
وحيث إن إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة يعتبر من التدابير الوقائية العينية طبقا للفصل 62 من القانون الجنائي ويجب أن تقضي به المحكمة التي تصدر العقوبة الأصلية والحال أن إغلاق منزل المتهم كان بأمر من الوكيل العام للملك وقبل صدور الحكم من أجل الأفعال المتابع بها المتهم.
وحيث إنه بمراجعة ظهير 15/11/1958 المتعلق بالتجمعات العمومية يتضح أنه لا يتضمن كتدبير وقائي إغلاق المقرات أو المحلات التي تعقد فيها التجمعات العمومية بدون تصريح وعليه يبقى أمر إغلاق منزل المتهم عمل غير مشروع وبغض النظر عن قيام المتهم بكسر الختم الموضوع على منزله أو عدم قيامه بذلك فإن الدخول إلى المنزل بعد كسر الختم من طرف المتهم يبقى مبررا مادام أن وضع الختم بداية كان من جهة غير مخولة قانونا للقيام بهذا التدبير وقبل صدور العقوبة الأصلية.
وحيث إنه استنادا إلى ما ذكر تكون جنحة كسر أختام موضوعة بأمر من السلطة العامة غير ثابتة في حق المتهم وأن الحكم المستأنف عندما قضى بإدانته من أجلها كان مجانبا للصواب ويتعين إلغاؤه في هذا الجانب”.
وتجدر الإشارة أنه رغم صدور هذا القرار إلا أن الأستاذ جمال بوطيبي لازال مشردا هو وزوجه وأبناؤه، كما أن النيابة العامة لم تبادر إلى رفع الأختام عن عشرات البيوت المشمعة احتراما لقدسية أحكام القضاء، باعتبار الضامن لحقوق وحريات والأفراد مما يؤكد التعامل الاستثنائي مع جماعة العدل والإحسان الذي يعصف بكل القوانين والضمانات.
فهل هو جهل مطبق بالقانون، أم أنه إصرار جامح على استثناء تنظيم معين من الحقوق والحريات المكفولة دستوريا ؟؟؟