عادة ما يختار فرد أو جماعة رجلا رمزا يُتخذ قدوة وأسوة، يمجده الأتباع ويكثرون من ذكره ويستشهدون بأقواله ومواقفه بل تخفق قلوب محبيه كلما ذكرته الألسن.
ولا مناص أن يكون هذا الرجل الرمز شخصية تركت بصمتها واضحة في تاريخ الإنسان بعبقريتها وحنكتها وبطولاتها وإنجازاتها، الشيء الذي يجعل الأتباع يشعرون بكل الفخر والاعتزاز وهم يعلنون انتماءهم لمدرسته أو تبنيهم لفكره ومنهجه.
قد يكون هذا الشخص الذي نتحدث عنه مفكرا مبدعا أو زعيما ملهما أو عالما فذا أو بطلا متفوقا…أبهر عقول فئة من الناس وملك قلوبهم، لكن حين يكون أسوتنا وقدوتنا وإمامنا اصطفاء ربانيا ونعمة مهداة من خالق الكون، فحق لنا أن نفتخر ونعتز بهذا السراج المنير الذي أضاء الكون بطلعته وأنار الوجود بجماله. وهل يستطيع نجم سابح أن يتلألأ بعد إشراقة الشمس الساطعة ؟ فهو الأب الحنون والمربي العطوف، يلاعب الصبي ويعلم الغلام ويلاطف اليتيم، لا ينهر أحدا إذا أخطأ ولا يعنفه إذا أساء.قال أنس بن مالك رضي الله عنه: “خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ، وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ، لِمَ صَنَعْتَهُ، وَلا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ، لِمَ تَرَكْتَهُ…” -رواه الترمذي-.
وهو القائد الحكيم والإمام العادل،أوفى الناس بالعهود، يستشير أصحابه وهو المؤيد بالوحي، فيأخذ بالرأي السديد؛ لا يقبل شفاعة أحد في حد من حدود الله، ينصف المظلوم ويأخذ على يد الظالم، جاءته قريش يوما حين أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “”أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ”، ثُمَّ قَامَ، فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا” -رواه مسلم-.
وهو سيد الأبطال وأشجع الناس في الميدان وأثبتهم في ساحات النزال. قال علي كرم الله وجهه: كنا إذا حمي البأس واحمرت الحُدُق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه).
وهو الإنسان الصابر على المكاره، يواجه المصائب بالرضا ويعفو عند المقدرة، لم تزده كثرة الأذى إلا صبرا ولا جهل السفهاء إلا حلما؛ جاءه جبريل عليه السلام بعدما تعرض لأذى المشركين فناداه فقال: “”إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم”، قال: “فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين” فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا”” -رواه مسلم-.
وهو الذي تحلى بصفات الكمال المنقطعة النظير، أدبه ربه فأحسن تأديبه: يقري الضيف ويجالس الفقراء ويحب المساكين ويجيب دعوة العبد ويتواضع للضعيف ويكرم السائل ويعطي عطاء من لا يخاف الفقر، يداعب الأصحاب في أدب ويمازحهم ولا يقول إلا حقا،يخدم نفسه ويعمل بيده…
أخلاقه العظيمة حببت إليه القلوب وقربت إليه النفوس، جاءنا بأحسن دعوة وخير رسالة وأكمل دين وأفضل شرعة وأوضح منهاج وأنجى طريق. هو القدوة المثلى والأسوة الحسنة لمن أراد الهداية في الدنيا والفوز في الآخرة.
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (الأحزاب: 21).