توطئة
أوردت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في سياق عرضها لمستجدات الدخول المدرسي الجديد 2024/2025 على مستوى محور المؤسسات التعليمية، معطيات تخص تدخلات الوزارة لضمان استمرارية الدراسة في المناطق التي تضررت من زلزال الحوز، وهي التدخلات التي تتحدث عن عدد من الإجراءات ذات الطابع الاستعجالي تتمثل في: “تحويل التلاميذ، وتوفير الخيام المدرسية والوحدات الدراسية المسبقة الصنع، والدعم النفسي والتربوي، وتوفير المحافظ واللوازم المدرسية، وكذا إطلاق برنامج لتأهيل وإعادة بناء 1730 مؤسسة تعليمية متضررة بما فيها الفرعيات المدرسية، عدا منح تعويضات لأسر ضحايا الزلزال بتنسيق مع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين” 1. وفي سياق تفاعل المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات مع هذه المعطيات التي سبق للوزارة الحديث عنها في إطار تدخلاتها لمواجهة الكارثة في السنة الماضية، وتنويرا للرأي التربوي والتعليمي في ما يخص ما يكشف عنه الواقع الميداني من استمرار واقع المعاناة العامة لسكان المناطق المتضررة ومعهم المتعلمون، أنشر هذا الجزء من دراسة مطولة تعرض من زاوية رصدية تشخيصية لواقع التربية والتعليم بالمغرب في سنة 2023، كان قد أصدرها المركز ضمن كتابه “تقرير المغرب في سنة 2023” 2.
التعليم زمن الزلزال
يكفل القانون الدولي والإنساني الحق في التعليم، ويجعله حقا غير قابل للتضييع ولا المساومة ولا المصادرة تحت أي ضغط كان، حتى في زمن الأزمات والكوارث الطبيعية كالزلازل والأوبئة أو تلك التي تكون بسبب الإنسان كالحروب والنزاعات. وهذا ما يقتضي في علم إدارة الكوارث التخطيط والإعداد والاستعداد في مستوى تصوري للتدابير الاستباقية، ومستوى تدبيري للتدخلات الآنية للاستجابة الملائمة، ثم مستوى للتعافي والتجاوز في دورة متكاملة منسجمة تتغيا الفاعلية والنجاعة من أجل تحقيق تكافؤ الفرص في ضمان التعلمات واستدامتها 3.
إن المغرب وبفعل عوامل كثيرة معرض لمواجهة كوارث مختلفة كالفيضانات والجفاف والزلازل التي تخلف عادة خسارات فادحة على الاقتصاد والصحة والوضع الاجتماعي عموما، خاصة إن نحن استحضرنا تضافر عوامل التزايد الديموغرافي وتنامي التحضر وتأثيرات التغيرات المناخية 4. ولعل آخر هذه الكوارث ما عرفه المغرب في ليلة الثامن من شتنبر من العام 2023، لما ضرب زلزال مدمر مناطق الحوز وشيشاوة وتارودانت، والذي خلَّف بحسب المعطيات الرسمية ما يصل إلى 3000 من القتلى، وأكثر من 6000 جريح، هذا إلى جانب الانهيارات 59674 (32% كليا، و68% جزئيا) 5. وفي هذا الصدد شمل التدخل الرسمي لمجابهة وضع الكارثة النازلة تعبئة مصالح الدولة من أجل التدخل الميداني لتقديم العون للمتضررين، وفتح حساب خاص لتدبير الزلزال، وإعداد برنامج للدعم وإعادة البناء والتأهيل. كما تم إنشاء وكالة تنمية الأطلس الكبير بموجب مشروع مرسوم بقانون رقم 2.23.870 أوكل لها مهمة إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز من خلال برنامج عمل يمتد على خمس سنوات 24/28 6.
إجراءات وتدخلات مجابهة زلزال الحوز في التعليم
في قطاع التربية والتعليم، شمل تقييم الحالة التعليمية بالمغرب في إبان زلزال الحوز تحديد جملة الأضرار التي لحقت بالمؤسسات التعليمية؛ حيث تم تسجيل تضرر 1050 مؤسسة تعليمية، 60 منها تعرضت لانهيار تام، كما تم الحديث عن كون عدد التلاميذ يبلغ في المناطق المنكوبة حدود 650 ألف تلميذ، عدد المعنيين منهم بالتدخل هو 60 ألف، مما فرض العمل على نقل 9000 تلميذ منهم في الإعدادي والتأهيلي إلى مؤسسات قريبة، والتدخل لتخويلهم منحا مادية للإيواء بالداخليات، بينما تم الاقتصار في ما يخص مجموع 50 ألف تلميذ في التعليم الابتدائي على توفير ظروف الاستقبال على المستوى المحلي؛ إما من خلال إعداد خيام ملائمة في المناطق التي يصعب الولوج إليها بحكم بنيتها الجغرافية، أو عبر توفير أبنية متنقلة مجهزة في المناطق الأخرى، كما تم العمل على تحريك فرق ولجان تقنية لفحص وضعية البنايات التعليمية ضمانا للسلامة العامة لمختلف المشتغلين. وطبعا تم التصريح أن طبيعة التدخل المستعجل أثر أحيانا في ظروف الاستقبال وجودته ببعض المؤسسات، وأن مصالح الوزارة في تواصل مستمر قصد تصحيح المسار. ومن جهة أخرى تم تعميم مذكرة تدعو موظفي القطاع إلى الإسهام التطوعي التضامني في الصندوق الخاص لتدبير الآثار المترتبة عن الزلزال من خلال التبرع بأجرة يوم عمل على مدى ثلاثة أشهر 7ينظر مثلا موقع الجزيرة الإلكترونية: www.aljazeera.net/news/2023/9/16/استمرار-عمليات-البحث-وانتشال، تم الاطلاع يوم 17/9/2023. وأيضا يراجع المؤتمر الصحفي للناطق الرسمي باسم الحكومة عقب المجلس الحكومي ليوم 27 شتنبر 2023، وبلاغ الصادر عن المجلس الحكومي في الإجراءات المتخذة. وكذا بلاغ انعقاد مجلس الحكومة ليوم 14/9/23ومنشور رئيس الحكومة،15/9/23..
على مستوى القطاع المدرسي، شملت إجراءات التدخل التي قامت بها الوزارة مجالين اثنين أساسيين: مجال العرض المدرسي، واستهدف تحقيق استئناف الدراسة، من خلال إجراءات همت “توسيع الطاقة الاستيعابية للداخليات لاستقبال التلاميذ الذين تم تحويلهم، والرفع من خدمات الإيواء والنقل المدرسي والسكن الوظيفي، وكذا إعداد 1200 خيمة مجهزة، تتوفر على مرافق صحية في المناطق ذات الولوج الصعب في الحوز وشيشاوة وتارودانت، وتوفير 1400 حجرة من الوحدات الدراسية المركبة المسبقة الصنع بالتعاون مع الشركاء، هذا إلى جانب تحريك الفرق الفنية والتقنية لفحص المؤسسات المتضررة وجرد وتحديد الحاجيات الضرورية، مع برمجة تأهيل العرض المدرسي والرياضي في المناطق المتضررة على مدى خمس سنوات بغلاف مالي قدرة 5 ملايير درهم، وهو ما تطلب بحسب الوزارة فتح اعتماد مالي لصالح الوزارة برسم 2023 بما قدره 290,65 مليون درهم قصد توفير الموارد المالية لمجابهة الكارثة”. أما المجال الثاني فهو المجال البيداغوجي الذي استهدف ضمان الاستمرارية البيداغوجية من خلال جملة من الإجراءات عملت على “تعبئة الأسر والتواصل معها لحثها على الإسهام في التحاق أبنائها، وعلى تكييف استعمالات الزمن، واعتماد التوقيت المسترسل، وكذا على توفير وتعويض المستلزمات الدراسية الضائعة، مع استحضار المواكبة النفسية والدعم الاجتماعي، وتفعيل التنشيط الرياضي والفني والثقافي بشراكة مع جمعيات المجتمع المدني” 8.
في المجال الجامعي، وبفعل بعض تصدعات التي سجلت في الجامعة المتعددة التخصصات بورزازات، وبحكم انتماء عدد كثير من الطلبة للمناطق المتضررة، عرفت انطلاقة الدخول الجامعي تأخرا في جامعتي القاضي عياض وابن زهر، وقد عملت وزارة التعليم العالي على الدعوة إلى إعمال عدد مهم من الإجراءات انصبت أساسا على اعتماد المرونة وتبسيط المساطر في التسجيل وبرمجة المباريات، والقيام بحملات للتبرع بالدم، وكذا على مواكبة الطلبة المتضررين من خلال الاستفادة من الدعم الاجتماعي والنفسي عبر خلايا للمواكبة والتآزر. وقد وجهت تعليمات تطلب الاعتناء بالجوانب التقنية للمباني الجامعية ضمانا للسلامة العامة للساكنة الجامعية ولمختلف الأطر الإدارية والتربوية 9.
إشكالات تدبير المخاطر
في المجمل العام إذن، يمكننا رصد طريقة تدبير التعليم إبان زلزال الحوز، في تدخلات ضمت إجراءات عامة ذات طابع استعجالي ركزت على تعليق الدراسة في المناطق المتضررة، وأخرى ذات طبيعة تقنية شملت تجميع المعطيات، وتشخيص الحالة العامة للبنايات، وتدخلات الدعم الاجتماعي، ثم ذات طبيعة بيداغوجية. وكان الهاجس الرئيس لهذه التدخلات جميعها هو ضمان استمرارية الدراسة. ولم تمنع هذه التدخلات التي قامت بها الوزارة بمعية الشركاء عموما من تسجيل اختلالات يمكن رصدها في أربعة مستويات؛ فعلى على المستوى التواصلي سجل تباطؤ في توفير المعطيات السريعة والدقيقة عن الوضع العام للتعليم في المناطق المتضررة، مما فتح الباب مشرعا أمام الشائعات. وعلى مستوى التدبير لوحظ كثرة المتدخلين وتعدد اللجن وتضارب المعطيات وعدم التنسيق. وعلى مستوى التجهيز والإيواء كشفت عملية تحويل التلاميذ عن الوضعية المتدهورة لبنية الاستقبال، وظروف الإيواء، وجودة الخدمات، وتعرت الظروف المزرية للداخليات، كما لم يتم الانتباه لسكنيات المدرسين في المناطق الجبلية، ولم تكف الخيام عددا وجودة في منع تطايرها بسبب الرياح في بعض المناطق. أما المستوى الاستباقي والاستراتيجي فكان هو المجال الأكثر ضعفا في تدبير الوازرة للكارثة؛ بحيث انكشف غياب التخطيط الاستراتيجي القائم على إعداد بنية وثائقية وهيكلية ومادية، ورسم معالم خطط تدخلية متميزة بالعقلانية والمرونة، وضمان تعبئة مجتمعية واعية وشاملة. ولربما سيكون هذا مما سيسهم في زيادة ضياع زمني معتبر للزمن المدرسي، وتنامي نسب الهدر المدرسي في مناطق تعيش إلى جانب الهشاشة المتعددة الأبعاد كثيرا من الأمية التي ستفاقم أوجه التفاوتات واللامساواة التنموية 10. وإنه إن كان هناك نوع من التضخم الجلي في خطاب الوثائق والتعليمات، ونوايا الإنجازات إبان زلزال الحوز، وقبله في فترة كورونا، فإن التدبير التنزيلي يظهر في الواقع تخبطا وارتجالا في التعامل مع التعليم في هذه الكوارث، والدليل البسيط أنه ما زال التلاميذ في الخيام بعد مرور أكثر من أربعة أشهر من الزلزال، وما زالت وعود التأهيل والدعم متعثرة على نحو يعيد أسئلة الحكامة، والدعم الاجتماعي، والدولة الاجتماعية الحامية على الواجهة.
ولئن تعين الاعتراف بتقدم المغرب في توفير وثائق 11Haut Commissariat au Plan, Profil sociodémographique de la zone sinistrée suite au tremblement de terre survenu au Maroc le 8 septembre, Octobre 2023. P : 9, 23. مؤطرة في مواجهة الكوارث، حاز بها اعترافا من طرف المنظمات الدولية، فإنه لا يمكن تجاهل نقد هذه المؤسسات نفسها لمدى استجابة المغرب لما تقتضيه إدارة الكوارث وفق المعايير الدولية المعمول بها، وذلك في مجالات التخطيط الاستراتيجي، والهيكلة التنظيمية، والتشريع القانوني، والموارد البشرية والمادية، وتدابير التنزيل، وكذا التعبئة المجتمعية، وذلك ربما هو عين ما تؤكده حتى التقارير الرسمية التي يستشف منها أن المغرب لم يستوعب جيدا دروس زلزال أكادير والحسيمة وفيضانات الجنوب في بلورة إطار متين لاستراتيجية وطنية شاملة لتدبير المخاطر 12منها القانون 10-95 المتعلق بالماء، والقانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، والقانون الإطار رقم 12.99 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، ثم القانون رقم 13.03 المتعلق بمكافحة تلوث الهواء، هذا إلى جانب عدد من البرامج والمشاريع الوطنية لحماية البيئة والحد من الكوارث الطبيعية والوقاية منها.
[12] المملكة المغربية، المجلس الأعلى للحسابات، تقرير حول تقييم تدبير الكوارث الطبيعية (الخلاصة) أبريل 2016، ص 4، 6، 41 وما بعدها. وراجع:
– Haut-Commissariat au Plan, Système des Nations unies au Maroc et Banque mondiale, Impact social et économique de la crise du covid 19 au Maroc ; juillet 2020. P 6 ,9.
– Étude de l’OCDE sur la Gestion des Risques Maroc Principaux résultats, p5,7.
خاتمة
لربما يكون زلزال الحوز وقبله وباء كورونا دليلا آخر لترجمة التصورات السياسية في مجال التربية والتعليم حيث انكشفت سوءة التدبير عن كوننا لسنا على شيء، لما تفلح الهزات والرجات التي أحدثت في الفترتين في فتح الأعين على الرؤى التصورية تخطيطا استشرافيا، وجاهزية فاعلة، وتعبئة متيقظة، وتمويلا كافيا لمجابهة الكوارث التي إنما تزيد الوضع كارثة على كارثة بما تعريه من نقائص تثبت للقاصي والداني أن لا إرادة سياسية حقيقية لتغيير جذري للتعليم يقطع مع أساليب التسويف والتمويه والارتجال والضرب الحاطب في كل زاوية، الشارد عن المنفذ اللازم لإخراج مستقبل البلاد من نفق التدبير التاريخي العابث لمسلسلات إصلاحات التعليم التاريخية من دون جدوى ولا أفق.
[2] عنوان الدراسة “المغرب التعليمي في سنة 2023: منظومة التربية والتعليم ومستجدات الإصلاح في ظل الحراك الاحتجاجي”، نشرها لنا المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات، في يوليوز 24 ، ابتداء من ص 79. (بتصرف يناسب المقام).
[3] راجع: اليونسكو، موجهات مستقبلية لتخطيط التعليم في أوقات الأزمات، 2020. وانظر: التعليم في حالات الطوارئ على الرابط: https://inee.org/ar/education-in-emergencies، تمت زيارته يوم 11/1/2024. وراجع أيضا: GFDRR & World Bank, Disaster recovery guidance series, Education sector recovery, Washington, 2019.
[4] Étude de l’OCDE sur la Gestion des Risques Maroc Principaux résultats )Ce document présente les constats et recommandations de l’Étude de l’OCDE sur la gestion des risques au Maroc, menée par le Secrétariat de l’OCDE entre décembre 2014 et mai 2016 ( p 1 ,2.
[5] البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وثيقة برنامج من أجل مشروع قرض بمبلغ 275 مليون دولار للمملكة المغربية من أجل قرض لسياسات التنمية بخيار تأجيل السحب لمواجهة المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، نونبر، 2019.
[6] المملكة المغربية، وزارة الاقتصاد والمالية، الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، اللجنتان المكلفتان والمالية بالبرلمان، برنامج إعادة البناء والتأهيل للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، 22/9/2023.
[8] البلاغ الأولي لوزارة التربية الوطنية ليوم 10 شتنبر 2023، وكذا المؤتمر الصحفي لوزير التربية الوطنية مع الناطق الرسمي باسم الحكومة، والذي عقد بعد انتهاء اجتماع مجلس الحكومة في يوم 27 شتنبر 2023. وراجع المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مذكرة في شأن المساهمة في الصندوق الخاص لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته المملكة. 072/23 بتاريخ 21/9/2023. وبلاغ لوزارة التربية الوطنية توضيحي 21 شتنبر 2023.
[9] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، عرض وزير التربية الوطنية أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، حول مشروع الميزانية برسم السنة المالية 2024، 3 نونبر 2023. ص 9.
[10] المملكة المغربية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، مذكرة وزارية في مواكبة الطلبة المتضررين من تداعيات الهزة الزلزالية، 01/730بتاريخ 11/9/2023.