السفينـــــــة و الربـــــــان
تحكى الحكايات وفيها زيف من الخيال، فتنعش قراءها لما يرون فيها من روعة الجمال، لكن حكايتي ليست كالحكايات.
حكايتي سفر طويل في بحر هائج، وواقع مرير مليء بالمفاجآت، بدأ في زمن الغفلة، حيث الرياح الهوجاء والعواصف في كل مكان، والظلمة تسري في قلب ليس فيه بصيص نور لما حوى من الذنوب والزلات والآثام، وروح عكرة ما عرفت الحياة ولا الممات ولا الدقائق ولا الساعات ولا البدايات ولا النهايات. كان شتات… بل كل الشتات، إلى أن جاء اليوم الذي أشرق نوره ببوادر التوبة والحوبة والإنابة، كانت اليقظة فيه أحلى عنوان شهد له الزمان والمكان فركبت نفسي سفينة النجاة. فما السفينة يا ترى ومن الربان؟
كانت السفينة شعارها العدل والإحسان، يلوح ربانها لكل متلهف عطشان: تعال اركب معنا لا تخف مهما كانت العقبات فللطريق صوى ومنارات قال صلى الله عليه وسلم: “إن للإسلام صوى ومنارا كمنار الطريق”، مهما كانت العقبات فأنت في صحبة من يحملك ويحمل عنك، يدلك على الطريق ويحرص عليك، صحبتي مفتاح لكل خير، مغلاق لكل شر، صحبتي ترياق مجرب ودواء لكل داء.
قلت: أين الوجهة وما المبتغى؟ قال: الوجهة الله والمبتغى قربى وزلفى من الله.
علمت والحق أقول أن ما سمعته ليس بالكلام المعسول، بل يقينا أنها سفينة وأي سفينة، وربان وأي ربان، ربان يداوي المرضى وينجي الغرقى ويرحم أهل العذاب.
ولأني اجتمع في الداء والهلاك ركبت السفينة لما رأيت من الطمأنينة والسكينة، فوجدت من سبقني بالإبحار، وجدت الجماعة في الانتظار، واقفة على باب المولى بالضراعة والاستغفار، وجوههم كالقمر في ليلة البدر هلت بالفرح والاستبشار. أحسست بالدفء والحنان، فما خفت حينها من الذئب ولا الشيطان، كانت موائدهم ملأى بذكر الرحمن، فعرفت ولأول مرة شتان بين من يناديك لتؤمن ساعة ومن يناديك لتعبث بالساعة. عرفت قدر قومي فلزمت وبالصبر تجملت، ألم يقل الحق تعالى:واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه و كان أمره فرطا 1 . صبر ودعوة وإرادة ووجهة. صبر في المحن لذة، ودعوة في الرخاء والشدة، وإرادة لا تهدها الجبال هدا، ووجهة لله ومع الله وبالله مطلقة فلا تعدها عدا.
لذة تكتمل بالمشاركة والمحبة، وتهفو إليها الأذواق الراقية المشتاقة، فهلم نمخر معا الطريق، ونركب السفينة ونصحب الربان.