حين تنحني بكلِّيتك وتجلس القُرْفُصَاء كي تحزم رباط حذائه، وحين تستشعر شدّة البرد فتضمّه إليك لتُدْفئه، وحين تنتبه إلى أشعة الشمس فتقف بينها وبينه ليشكلّ جسدُك واقيا يدفع عنه لهيبَ الحرّ، وحين تربت على كتفيْه وتمسح دمعه، وحين يسقط رأسك في حجرك ضَحِكا لضحْكته البريئة، وحين تضمّه إلى صدرك تُقْرِئه دعاء النوم وأنت تبحث له عن الراحة والسكينة، وحين يستقبلك يجري إليك ويصرخ فَرِحا سعيدا بك وبما جئتَه به، وحين تحمله بين يديك لمسافة فتستشعر معنى خَفيّا لطيفا يخترق مشهد التَّعَب والعَرَق…
في تلك التفاصيل، وفي غيرها، ونحن نبحث عن معنى وسعادة وسكينة وحفظ وحماية أبنائنا فإننا في الحقيقة نبحث عنها لأنفسنا، فلا نسقيهم إلا بقدر ما نرتوي، ولا نعطيهم بل نأخذُ منهم ابتداءً، ولا ينهلون منّا بل ننهل من صَفْوِهم أوّلا.
في تلك التفاصيل، حين يلتصق الخد بالخد والكف بالكف والرأس بالرأس… نتمنى اللحظةَ لو تطول، نستشعر فيها رحمة الله التي كتبها على نفسه وأرادها لعباده، ونتذوق فيها طعم السكينة التي نكدح بحثا عنها وهي على مرمى البصر، ونقف فيها على معان يتّسع جمالُها وجلالها فتضيق عن الوصف العبارة وتقصر عن البيان اللغة.
في تلك التفاصيل، تَجدُنا وكأننا نبحث عن ذواتنا في نقائها الأصيل وعن أنفسنا في فطرتها الأولى، وكأننا نُرمّم ما انهدم فينا من لبنات الإنسان والإيمان تحت ضربات الحياة والغفلات، وكأننا نحن الأطفالُ الصغار حين يستكشفون لتوِّهم السعادة ويبحثون في داخلهم عن المعنى وتجتذبهم في محيطهم الأشياء البسيطة، وكأننا الروحُ حين تَنْفكُّ من ثِقل الجسد المتْخَم المثّاقل إلى الأرض لتحلّق في فساحة الجمال.
حفظنا الرحمن الرحيم – وحفظكم – في أبنائنا فلذات أكبادنا، ورزق من لم يتذوق بعدُ هذه المعاني من واسع فضله وعطائه وخزائنه. آمين.